كتاب أوضح التفاسير (اسم الجزء: 1)

{اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} أي يسخر منهم، ويجازيهم على استهزائهم. وسمي الجزاء باسم العمل؛ كقوله تعالى: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} وقوله جل شأنه: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ} {وَيَمُدُّهُمْ} يمهلهم {فِي طُغْيَانِهِمْ} وذلك لأنهم ابتدأوا بالكفران؛ فزاد لهم ربهم في الطغيان. والطغيان: تجاوز الحد في العصيان يتحيرون ويترددون
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى} أي الكفر بالإيمان (انظر آية 175 من هذه السورة)
{مَثَلُهُمْ} في طغيانهم ونفاقهم، وزعمهم الإيمان، وإنكارهم له {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} أوقدها، أو طلب إيقادها للإضاءة {فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} واستبدل ظلمته نوراً؛ بالتلفظ بالإيمان؛ وهو قولهم عند ملاقاة المؤمنين: «آمنا» {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} عندما خلوا إلى شياطينهم، و «قالوا» لهم «إنا معكم إنما نحن مستهزئون» {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} وهي ظلمات الكفر، والنفاق، والجهل. والدنيا كلها ظلمات؛ إلا موضع العلم، والعلم كله هباء؛ إلا موضع العمل، والعمل كله هباء؛ إلا موضع الإخلاص. فالإخلاص أس العبادة، وجماع الإيمان والفضائل
{صُمٌّ} عن سماع الحق {بِكُمُ} عن النطق به. {عُمْيٌ} عن رؤيته. والصمم: انسداد الأذن، وثقل السمع. والبكم: الخرس {فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} عن الظلمات التي يعمهون فيها؛ وذلك لصممهم وعماهم وخرسهم
{أَوْ كَصَيِّبٍ} أي «مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً» أو مثلهم «كصيب» والصيب: المطر الشديد. وأريد بالصيب: القرآن الكريم
{فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ} وهو تمثيل لما فيه من الوعيد الشديد؛ بنيران الجحيم، والعذاب الأليم {بَرِقَ} أي فيه ظلمات الوعيد، ورعد العذاب «وبرق» المعرفة لأنه أريد بالبرق: نور الحجج البينة المنيرة اللامعة {يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ} وقاية وحذراً منها. والصاعقة: نار تنزل من السماء؛ عند قصف الرعد. وهل تمنع الأصابع في الآذان، عذاب الملك الديان؟ وكيف تمنع {واللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ} عالم بهم، قادر عليهم؛ لا يفوته شيء من أعمالهم؛ ولا تعجزه أفعالهم؛ فلا يستطيع أحد الفرار من بطشه، أو النجاة من بأسه، أو الخروج عن أمره
{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} لسرعة وميضه، وشدة لمعانه
-[6]- {كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ} أي كلما لمع البرق مشوا مسرعين في ضوئه {وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ} أي إذا سكت البرق، وخبت ناره، وانطفأ نوره: وقفوا في أماكنهم متحيرين مترصدين خفقة أخرى؛ عسى يتسنى لهم الوصول إلى مقاصدهم

الصفحة 5