كتاب أوضح التفاسير (اسم الجزء: 1)

{اعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} أي كما أنه تعالى يحيي الأرض بعد موتها؛ كذلك ذكره تعالى يحيي القلوب بعد قساوتها {وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ} أي والذين أقرضوا الله. والمقرض: هو الذي يبذل المال في الحياة الدنيا؛ رجاء ثواب الآخرة {يُضَاعَفُ لَهُمْ} الثواب والأجر {أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} الذين سبقوا إلى التصديق. لأن التصديق لا يكون باللسان؛ بل بالجنان وهم آمنوا، وصدقوا، وأنفقوا يقول أصدق القائلين، وأحكم الحاكمين، وأكرم الأكرمين:
{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} الذين آمنوا بي وبرسلي {وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} أنفقوا في سبيله تعالى؛ من غير رياء، ولا منَ، ولا أذى {أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} أولئك هم {الشُّهَدَآءِ} أي في درجة الشهداء: في التنعم والقرب {عِندَ رَبِّهِمْ} في روضات الجنات {لَهُمْ أَجْرُهُمْ} الذي أعده الله تعالى لهم {وَنُورُهُمْ}
الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم. أو المعنى: «أولئك» الذين مر ذكرهم
{هُمُ الصِّدِّيقُونَ} وانتهى القول عند ذلك {وَالشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} خبر جديد عن نوع آخر من خواص المؤمنين: وهم الشهداء
{اعْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أي متاعها المعجل لكم: ما هو إلا {لَعِبٌ} تلعبونه {وَلَهْوٌ} تتلهون به {وَزِينَةٌ} تتزينون بها {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ} يفخر بعضكم على بعض، ويسابق بعضكم بعضاً؛ بالأموال، والجاه، والأولاد. وذلك التفاخر والتكاثر، واللهو واللعب والزينة: مثله {كَمَثَلِ غَيْثٍ} مطر نزل على الأرض فازدهرت وأنبتت؛ وقد {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ} الزراع {نَبَاتُهُ} أي نبات ذلك الغيث. وسمي المطر غيثاً: لأنه يغيث الناس من الجوع والفاقة؛ ولذا سمي الكلأ غيثاً: لأنه يغيث الماشية {ثُمَّ يَهِيجُ} أي يجف {فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً} بعد خضرته {ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} يابساً متكسراً. شبه تعالى حال الدنيا، وسرعة انقضائها؛ مع قلة جدواها: بالنبات الذي يعجب الزراع لاستوائه وقوته ونمائه؛ وبعد ذلك يكون حطاماً، ويدركه الفناء. وكذلك حال الدنيا: «حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس» {وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} للكفار؛ الذين ركنوا إلى لهو الدنيا ولعبها، وزينتها والتفاخر فيها {وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} لمن آمن بالله، وصدق برسله {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ} وما فيها من تمتع وزخرف {إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} أي إلا متاع مزيف؛ لا أثر له. ورجل مغرور: مخدوع
{سَابِقُواْ} بالأعمال الصالحة {عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ} إشارة إلى أنه لا حد لها في العظم، وأنها من السعة بالقدر الذي لا يعرف مداه، ولا يوصل إلى منتهاه

الصفحة 668