{لَئِنْ أُخْرِجُواْ} أي لئن أخرج المؤمنون بني النضير {وَلَئِن قُوتِلُواْ} أي قاتلهم المؤمنون {لاَ يَنصُرُونَهُمْ} لأن من صفات المنافق: الجبن؛ فهم جبناء. والكذب؛ فهم كاذبون {وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ} ساعدوهم فرضاً، وصدقوا في وعودهم {لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ} معهم: المنافقون وبنو النضير جميعاً؛ فقد كتب الله النصر لعباده، والخذلان لأعدائهم؛ فلا تجدي القوة، ولا يجدي الإقدام؛ فما بالك وهم ضعفاء أذلاء جبناء
{لأَنتُمْ} أيها المؤمنون {أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ اللَّهِ} وذلك لأنهم يؤمنون بقوتكم وبطشكم، ولا يؤمنون ببطش الله تعالى وقوته. فإيمانهم في هذه الحال كإيمان البهائم: لا تؤمن إلا بحامل سوط أو عصا {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} ولو فقهوا لآمنوا بالله، وأطاعوا رسوله، وأنجوا أنفسهم من غضبه وعقابه
بعد أن وصف الله تعالى حال اليهود والمنافقين، ومبلغ إيمانهم به: أراد جل شأنه أن يصف مبلغ شجاعتهم وإقدامهم؛ فقال عز من قائل: إنهم لو أرادوا قتالكم؛ فإنهم
{لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً} مجتمعين {إِلاَّ} إن كانوا {فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} يأمنون فيها بطشكم {أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ} حوائط تقيهم بأسكم وسهامكم {بَأْسُهُمْ} بطشهم وشدتهم {بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} أي هم شديدو العداوة لبعضهم {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً} متحدين، ذوي ألفة {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} متفرقة؛ لا ألفة بينهم ولا مودة
{كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} كفار بدر {ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} أي ذاقوا الهلاك، الذي هو عاقبة كفرهم. فمثل المنافقين واليهود
{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ} موسوساً إليه {اكْفُرْ فَلَمَّا} أطاعه و {كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ} فكذلك المنافقون. قالوا لليهود: «لئن أخرجتم لنخرجن معكم ... وإن قوتلتم لننصرنكم» فلما جد الجد: تخلوا عنهم وأسلموهم للتهلكة، وصدق فيهم قول الحكيم العليم {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}
{فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ} أي عاقبة الشيطان. ومن أطاعه، والآمر بالكفر والفاعل له، والمنافقين واليهود
{وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} أي ما قدمت من الأعمال الصالحة - في دنياها - ليوم القيامة
{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللَّهَ} تركوا ذكره وتذكره، وخشيته ومراقبته {فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} أنساهم الإيمان والعمل الصالح الذي ينفعهم في معادهم، أو أراهم يوم القيامة من الأهوال ما أنساهم أنفسهم