{رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} أي لا تسلطهم علينا؛ فيفتنوننا بعذاب لا نطيقه {وَمَن يَتَوَلَّ} يعرض عن الإيمان {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ} عن العالمين {الْحَمِيدُ} المحمود في كل حال
{عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً} بانضمامهم إلى زمرتكم، واعتناقهم دينكم؛ فلا تحتاجون بعدها للوقوع في إثم موالاة الكافرين، وإلقاء المودة لهم {وَاللَّهُ قَدِيرٌ} على ذلك؛ وقد أسلم خلق كثير من المشركين؛ فصاروا لهم أولياء ونصراء {وَاللَّهُ غَفُورٌ} لما سبق منكم قبل النهي {رَّحِيمٌ} بكم؛ لا يعاقبكم
{لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ} يرينا الله تعالى أنه يجب علينا: حسن المعاملة، وطيب المعاشرة؛ مع سائر الأجانب الذين لم يقاتلونا، ولم يخرجونا من ديارنا، أو يحتلوا أوطاننا.
أما الذين يعتدون على ديننا أو بلادنا: فلزاماً علينا معاداتهم ومقاتلتهم {أَن تَبَرُّوهُمْ} أن تكرموا الذين لم يقاتلوكم، ولم يعتدوا عليكم؛ وأن تحسنوا إليهم قولاً وفعلاً {وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ} تعدلوا بينهم ولا تظلموهم
{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ} عن موالاة ومصاحبة {الَّذِينَ} أضمروا لكم العداوة، و {قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} أي بسبب الدين ومن أجله {وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ} من مكة {وَظَاهَرُواْ} عاونوا أعداءكم {عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} فهؤلاء هم الذين ينهاكم ربكم {أَن تَوَلَّوْهُمْ} أي تتخذوهم أولياء وأصدقاء {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ} ينصرهم، أو ينتصر بهم؛ بعد ظهور نياتهم، وإبداء سيئاتهم {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الكافرون
{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} أي نساء الكفار؛ مهاجرات إليكم، راغبات في دينكم {فَامْتَحِنُوهُنَّ} اختبروهن في إيمانهن. روي أن رسولالله كان يقول للتي يريد أن يمتحنها: «ب الله الذي لا إله إلا هو: ما خرجت من بغض زوج؟ ب الله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض؟ ب الله ما خرجت التماس دنيا؟ ب الله ما خرجت إلا حباً لله ورسوله؟» وهذا هو الامتحان الذي أمر به الله تعالى، ونفذه رسوله عليه الصلاة والسلام؛ ولكم ظاهر قولهن، و {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} فإن كن صادقات: فهن ناجيات، وإن كن كاذبات: فهن معذبات
-[682]- {فَإِنَّ} أدين امتحانهن، و {عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى} أزواجهن {الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ} لأنهن حرمن عليهم بالإيمان {وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} لأنهم كافرون {وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ} أي أعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا من المهور. وذلك لأن المهر: مقابل الاستمتاع، وقد زال الاستمتاع ببينونتها منه بسبب إسلامها؛ وليس بسبب طلاقه لها
{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} لا إثم ولا حرج {أَن تَنكِحُوهُنَّ} تتزوجوهن بعد ذلك {إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي مهورهن. وقد شرط تعالى إيتاء المهر في نكاحهن: إيذاناً بأن ما أعطى أزواجهن لا يقوم مقام المهر {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} أي اللاتي ارتددن ولحقن بالكفار اطلبوا {مَآ أَنفَقْتُمْ} من المهر