كتاب أوضح التفاسير (اسم الجزء: 1)

{وَلاَ يَسْتَثْنُونَ} أي ولم يقولوا: إن شاءالله، قال تعالى: {وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ}
{فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ} أنزل عليها المنتقم الجبار آفة سماوية فأحرقت أشجارها، وأتلفت ثمارها وكان ذلك ليلاً؛ لأن الطائف: لا يكون إلا ليلاً. قيل: نزلت عليها شهب من السماء فأحرقتها
{فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} أي كالليل المظلم، أو كالشيء المصروم؛ وهو المقطوع. قيل: كانت جنتهم هذه بمدينة الطائف؛ ولذا سميت الطائف
{فَتَنَادَوْاْ} نادى بعضهم على بعض
{أَنِ اغْدُواْ} بكروا {صَارِمِينَ} قاطعين للثمر. وصرم الشيء: قطعه
{فَانطَلَقُواْ} إلى جنتهم {وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ} يتهامسون سراً؛ خشية أن يسمعهم فقير؛ فيطلب منهم شيئاً
{أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ}
محذرين بعضهم بأن لا يدخل عليهم في بستانهم مسكين؛ لئلا يطالبهم بصدقة من ثمارهم
{وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} أي بكروا؛ قاصدين بستانهم بسرعة - قبل أن يفجأهم النهار بضوئه فتراهم الناس - ظانين أنهم قادرون على جني ثماره
{فَلَمَّا رَأَوْهَا} رأوا جنتهم، وما حل بها {قَالُواْ إِنَّا لَضَآلُّونَ} أي ضللنا جنتنا، وقصدنا غيرها؛ فليس هذا شأنها. ولما تأملوها جيداً، وتحققوا من أنها جنتهم؛ قالوا:
{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} حرمنا ثمرة كدنا وجهدنا طوال عامنا، وخسرنا ثمارنا
{قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أعدلهم وأخيرهم - وكان معارضاً لهم - ولم يكن مرتضياً حرمان المساكين {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ} أي هلا {تُسَبِّحُونَ} ربكم، وتشكرونه على أنعمه التي اختصكم بها؛ ولكنكم عصيتموه؛ فاستوجبتم ما حل بكم
{قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ} تقدس، وتعالى، وتنزه {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} بمنع الفقراء، وعدم التوكل على الله وتقديم مشيئته
وهذه القصة أوردها الحكيم المتعال: ليعلمنا أن مصير الشحيح، ومانع الزكاة إلى التلف حتماً: إن لم يكن بتلف ماله، فبتلف أجره وفساد حاله وأنه إن ضن بما يستوجب رضاءالله: هلك ماله مصحوباً بغضب الله
{كَذَلِكَ الْعَذَابُ} أي مثل إهلاكنا لجنة هؤلاء؛ نستطيع أن نهلك المكذبين أنفسهم، أو كذلك نعذب من نريد تعذيبه: بابتلائه في أمواله مثل هذا الابتلاء وكم قد رأينا من يشح بالإنفاق:
-[705]- فيبتلى في ماله بما يذهبه، أو في عياله بما يرهقه فليتق الله من يؤمن ب الله

الصفحة 704