كتاب أوضح التفاسير (اسم الجزء: 1)

{كَلاَّ وَالْقَمَرِ} أقسم تعالى بالقمر؛ لما فيه من النفع العميم. فبه تنضج المزروعات، وبه يحدث المد والجزء في البحار؛ وبهذا المد والجزر - الذي يحدث كل يوم وليلة - تتنفس الأرض؛ لأن المياه للأرض كالرئة، والهواء كالنفس؛ فإذا ما حدث الجزر - وهو انحسار الماء عن شواطىء البحار، وارتفاعه في وسطها - كان ذلك بمثابة الزفير. وإذا حصل المد - وهو رجعة المياه إلى الشواطىء، وعودتها إلى مستواها السابق - كان ذلك بمثابة الشهيق؛ وبذلك يتم في الكون والكائنات ما أراده لهما مبدعهما؛ من نمو، ونضج، ومعيشة؛ {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}
{وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ *
وَالصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ} أي أضاء. أقسم تعالى أيضاً بإدبار الليل، وإسفار الصبح؛ لأن فيهما وقت صلاة الفجر؛ وفي هذا الوقت ما فيه من التجليات؛ قال تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}
{إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ} أي إن سقر لإحدى البلايا والدواهي الكبير
{لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ} لفعل الخير {} عنه
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} من شر {رَهِينَةٌ} أي كل نفس مذنبة مرهونة بذنبها؛ فلا يفك رهنها حتى تؤدي ما عليها من العقوبات. ومنها ما يحبس في النار أبد الآبدين، ودهر الداهرين
{إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ} إلا المسلمين؛ الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون؛ فإنهم
{فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ} فيما بينهم
{عَنِ الْمُجْرِمِينَ} قائلين لهم ما الذي أدخلكم فيها، وجعلكم من سكانها؟
{قَالُواْ} لأنا {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} أي لم نك في زمرة المؤمنين بربهم، المصلين له
{وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} كما كانوا يطعمون
{وَكُنَّا نَخُوضُ} في الباطل
{وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} يوم الجزاء؛ وهو يوم القيامة
{حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} الموت، أو القيامة التي كنا نكذب بها
{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ} عن تذكرة الله تعالى لهم بهذا القرآن لا يستمعون لها؛ فيتعظون بها. وهم في إعراضهم وتوليهم وانصرافهم عن الحق
{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ} وهي الحمر الوحشية، الغير المستأنسة: التي تجمح وتنفر
{فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} أي فرت من الأسد، أو فرت من الرامي للسهام. وقد كانوا يسمونه «قسورة» أو هو القانص. شبه تعالى انصرافهم عن الإيمان، وإدبارهم عن الهدى: بالحمر المستنفرة؛ إذا رأت أسداً مفترساً، أو صائداً مقتنصاً
{بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً} أي يريد كل واحد منهم أن يكون
-[721]- نبياً، ويؤتى صحفاً تنشر وتقرأ على الناس؛ كصحف الأنبياء. أو يريد كل واحد منهم أن ينزل له كتاباً خاصاً؛ يراه نازلاً من السماء باسمه

الصفحة 720