{إِنَّ الأَبْرَارَ} جمع بر، أو بار؛ وهم الصادقون في الإيمان {يَشْرَبُونَ} في الجنة {مِن كَأْسٍ} لا تسمى الكأس كأساً؛ إلا وفيها الشراب، وإلا فهي كوب {كَانَ مِزَاجُهَا} ما تمزج به {كَفُوراً} ليس المراد بالكافور: الكافور المعلوم. بل أريد المبالغة في طيب ما يمزج به الخمر؛ ولأن الكافور: كان عند العرب من أطيب الطيب
{عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} أي عيناً في الجنة، طيبة الرائحة «يشرب بها عباد الله» الخمر. أو المراد بالعين نفس الخمر. ويكون معنى: {يَشْرَبُ بِهَا} أي منها. وقد جاء في اللغة: يشرب بها، أي يشرب منها. قال جميل:
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
أي من برد ماء الحشرج. والنزيف: الذي عطش حتى جف لسانه، ويبست عروقه {يُفَجِّرُونَهَا} يجرونها حيث شاءوا؛ وذلك النعيم لأنهم كانوا في حياتهم الدنيا
{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} طويلاً، فاشياً، ممتداً. كأن سائلاً سأل: بم استوجبوا هذا النعيم؟ فأجيب: جزاء وفائهم بالنذر، وخوفهم يوم الحساب، وإطعامهم الطعام
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} أي رغم حبهم للطعام، وميلهم إليه، وحاجتهم له. أو «على حبه»: في سبيل حبه تعالى، والتقرب إليه (انظر آية 32 من سورة الزخرف) قائلين لمن يطعمونهم
{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} أي ابتغاء مرضاته، وطلب ثوابه لم يقولوا ذلك وإنما علمه الله تعالى من ضمائرهم وسرائرهم؛ فأثنى عليهم به
{يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} القمطرير: الشديد العبوس. وصف تعالى اليوم بصفة أهله من الأشقياء
{فَوَقَاهُمُ اللَّهُ} بسبب ما قدموه {شَرَّ ذَلِكَ الْيَومِ} العبوس القمطرير {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً} حسناً، وجمالاً، وبهجة، وإضاءة {وَسُرُوراً} يملأ وجوههم وقلوبهم
{عَلَى الأَرَائِكِ} الأسرة {لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً} أي لا حراً ولا برداً
{وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا} أدنيت، وسهل تناولها؛ لأنها ليست كقطوف الدنيا: بعيدة المنال، لا تنال إلا بالاحتيال
{قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ} أي هي جامعة بين صفاء الزجاج، وبياض الفضة وحسنها {قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً} هو مبالغة في وصف الآنية ونفاستها. أي إنها مقدرة ذات قدر كبير، وقيمة عظيمة
{كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً} أي ما تمزج به كالزنجبيل؛ في جليل فوائده، وطيب نكهته. وقد كانت العرب تستلذه، ولا ترى أطيب منه
{عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً} أي هذا الزنجبيل عيناً في الجنة «تسمى سلسبيلاً» لسلاسة انحدارها في الحلق، وسهولة مساغها؛ وهذا عكس زنجبيل الدنيا؛ فإنه حريف لاذع
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ} غلمان للخدمة {مُّخَلَّدُونَ} لا يموتون {حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً} لصفاء ألوانهم، وفرط جمالهم
{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ}
-[725]- «ثم» وثمة: بمعنى هنالك. أي إذا رأيت هناك في الجنة {رَأَيْتَ نَعِيماً} عظيماً؛ لا يحاكيه نعيم {وَمُلْكاً كَبِيراً} لا يدانيه ملك