كتاب أوضح التفاسير (اسم الجزء: 1)

{إِرَمَ} هو اسم لجد القبيلة، أو هو اسم قبيلة عاد نفسها {ذَاتِ الْعِمَادِ} وصف لإرم: التي هي قبيلة عاد ومعنى «ذات العماد» سكان الخيام؛ لأنها تنصب بالعمد. أو هو كناية عن القوة والشرف وقال قوم: إن «إرم» هي دمشق. وقال آخرون: إنها الاسكندرية. أما ما رواه المفسرون؛ من أن «إرم ذات العماد» مدينة عظيمة: قصورها من الذهب والفضة، وأساطينها من الياقوت والزبرجد؛ فهو من أقاصيص اليهود وأساطيرهم
{الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ} أي لم يخلق مثل أهلها؛ في القوة والبطش، والخلقة
{وَثَمُودَ} قوم صالح عليه السلام {الَّذِينَ جَابُواْ الصَّخْرَ بِالْوَادِ} أي قطعوا الحجارة ونحتوها، واتخذوها بيوتاً؛ لقوله تعالى {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً}
{وَفِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ} قيل: كانت له أوتاد يربط بها من يريد تعذيبه. وقيل: هو كناية عن كثرة الجنود، وخيامهم التي يأوون إليها. وقيل: «الأوتاد» المباني العظيمة؛ كالأهرام ونحوها وقيل: غير ذلك
{الَّذِينَ طَغَوْاْ فِي الْبِلاَدِ} تجبروا فيها، وتكبروا على أهليها
{فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ}
أي أكثروا المعاصي وسفك الدماء
{فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} هو كناية عن شدة التعذيب
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} أي لا يفوته شيء؛ وسيجازي على سائر الأعمال: إن خيراً فخير، وإن شراً فشر
{فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ} اختبره وامتحنه بالغنى ومزيد النعم {فَأَكْرَمَهُ} بالمال والآل، والعيال {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} بما أعطاني من النعم التي أستحقها. ولم يعلم أنه ابتلاء له: أيشكر أم يكفر؟ {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ} اختبره أيضاً وامتحنه بالفقر والفاقة
{فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} ضيق عليه عيشه {فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} بتضييقه علي، ولم يخطر بباله أنه ابتلاء له: أيصبر أم يجزع؟ ولم يعلم كلاهما أن التقدير قد يؤدي إلى كرامة الدارين، وأن التوسعة قد تفضي إلى خسرانهما والمعنى: أن الإنسان على كلا الحالين لا تهمه الآخرة؛ بل جل همه العاجلة؛ ويرى أن الهوان في قلة الحظ منها
{كَلاَّ} ليس الإكرام والإهانة: في كثرة المال وقلته، وسعة العيش وتضييقه {بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} انتقل القرآن الكريم من بيان سوء أقوال الإنسان؛ إلى بيان سوء أفعاله، وإلى أن التوسعة - كما قدمنا - قد تؤدي إلى الخسران؛ إذا لم يقم الموسع عليه بما يجب عليه: من إكرام اليتيم، والحض على إطعام المسكين، والقيام بكل الواجبات التي هو مسؤول عنها، مطالب بها، محاسب عليها
{وَلاَ تَحَاضُّونَ} أي لا يحض بعضكم بعضاً {عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} أي على إطعامه كما طعمتم، وإشباعه كما شبعتم
{وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ} الميراث {أَكْلاً لَّمّاً} أكلاً ذا لمّ؛ وهو الجمع بين الحلال والحرام
-[749]- كناية عن أنهم كانوا يأكلون أنصباءهم، وأنصباء باقي الورثة. وهو أمر مشاهد في كل حين؛ وعاقبته من أوخم العواقب. فكم رأينا مستكثراً: داهمه الفقر، وظالماً: ظلمه الدهر، وناهباً: صير الله ماله من بعده نهباً لأعدائه

الصفحة 748