كتاب أوضح التفاسير (اسم الجزء: 1)

{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَآءَ كُلَّهَا} أي ألهمه معرفة كل شيء يحتاج إليه. وسمى «آدم» لخلقته من أديم الأرض؛ وهو ما على وجهها من تراب. وزعم بعضهم: أن آدم وإبليس ليسا على حقيقتهما؛ وإنما هما رمزان لا أصل لهما؛ يمثلان الشر والمعصية. وهو قول بادي البطلان؛ يدفعه صريح القرآن {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ} أي عرض المسميات لا الأسماء؛ بدليل قوله تعالى: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَؤُلاءِ} المسميات؛ ليريهم أنه تعالى قد وهب لآدم من المعرفة ما لم يهبه لهم، وليريهم آيته في حكمة خلق الإنسان وخلافته في الأرض.
هذا وقد أضفى تعالى على نبينا صلوات الله تعالى وسلامه عليه علوم الأولين والآخرين؛ ليجعله رحمة للعالمين؛ ولله در البوصيري حيث يقول في همزيته:
لك ذات العلوم من عالم الغيـ
ـب ومنها لآدم الأسماء
{قَالُواْ سُبْحَانَكَ} تنزهت وتعاليت (انظر آية 1 من سورة الإسراء).
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ} أمرهم الله تعالى بالسجود ابتلاء لهم واختباراً؛ وهو سجود لقدرة الله تعالى وإبداعه، ولا وجه لمن قال: إن سجودهم كان بالانحناء فحسب؛ على سبيل التحية؛ بل كان سجوداً حقيقياً كسجود الصلاة؛ يدل عليه قول الحكيم العليم: {فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} {فَسَجَدُواْ} أي سجد الملائكة جميعاً، وسائر العقلاء من المخلوقات {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى} رفض السجود المأمور به. و: «إبليس»: أبو الجن؛ وليس من الملائكة كما زعموا. وسمى بإبليس: ليأسه من رحمة الله تعالى وتحيره؛ لأن معنى أبلس: يئس وتحير {رَغَداً} الرغد: طيب العيش وسعته {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} هي شجرة أيّ شجرة نهيا عن الأكل منها امتحاناً لهما، واختباراً لعزمهما. وقيل: إنها الحنطة، أو العنب، أو التفاح {فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} يؤخذ من ذلك أن هناك خلقاً قبل آدم عليه السلام، وأن ظالماً وظلماً قد كان في الأرض قبله
{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ} أوقعهما في الزلة. وقرىء «فأزالهما» أي عن النعيم الذي كانا فيه {اهْبِطُواْ} انزلوا.
-[9]- والمعنى: تحولوا من الجنة العالية، إلى الأرض السافلة، ومن النعيم، إلى البؤس والشقاء {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} بني الإنسان، وبني الشيطان، أو بعض بني الإنسان عدو لبعض {وَمَتَاعٌ} تمتع {إِلَى حِينٍ} وهو انقضاء الأجل

الصفحة 8