كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

الْهَام الْعَمَل بِعِلْمِهِ فَإِن مُجَرّد الْعلم بِالْحَقِّ لَا يحصل بِهِ الاهتداء إِن لم يعْمل بِعِلْمِهِ وَلِهَذَا قَالَ لنَبيه بعد صلح الْحُدَيْبِيَة أول سُورَة الْفَتْح إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر وَيتم نعْمَته عَلَيْك ويهديك صراطا مُسْتَقِيمًا وَقَالَ فِي حق مُوسَى وَهَارُون الصافات وآتيناهما الْكتاب المستبين وهديناهما الصِّرَاط الْمُسْتَقيم والمسلمون قد تنازعوا فِيمَا شَاءَ الله من الْأُمُور الخبرية والعلمية الاعتقادية والعملية مَعَ أَنهم كلهم متفقون على أَن مُحَمَّدًا حق وَالْقُرْآن حق فَلَو حصل لَك مِنْهُم الْهدى إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ لم يَخْتَلِفُوا ثمَّ الَّذين علمُوا مَا أَمر الله بِهِ أَكْثَرهم يعصونه وَلَا يحتذون حذوه فَلَو هُدُوا إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فِي تِلْكَ الاعمال لفعلوا مَا أمروا بِهِ وَتركُوا مَا نهوا عَنهُ وَالَّذين هدَاهُم الله من هَذِه الْأمة حَتَّى صَارُوا من أَوْلِيَاء الله الْمُتَّقِينَ كَانَ من اعظم أَسبَاب ذَلِك دعاؤهم الله بِهَذَا الدُّعَاء فِي كل صَلَاة مَعَ علمهمْ بحاجتهم وفاقتهم إِلَى الله دَائِما فِي أَن يهْدِيهم الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فبدوام هَذَا الدُّعَاء والافتقار صَارُوا من أَوْلِيَاء الله الْمُتَّقِينَ قَالَ سهل بن عبد الله التسترِي لَيْسَ بَين العَبْد وَبَين ربه طَرِيق أقرب إِلَيْهِ من الافتقار وَمَا حصل فِيهِ الْهدى فِي الْمَاضِي فَهُوَ مُحْتَاج إِلَى حُصُول الْهدى فِيهِ فِي الْمُسْتَقْبل وَهَذَا حَقِيقَة قَول من يَقُول ثبتنا واهدنا لُزُوم الصِّرَاط وَقَول من قَالَ زِدْنَا هدى يتَنَاوَل مَا تقدم لَكِن هَذَا كُله هدى مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبل إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فَإِن الْعَمَل فِي الْمُسْتَقْبل بِالْعلمِ لم يحصل بعد وَلَا يكون مهتديا حَتَّى يعْمل فِي الْمُسْتَقْبل بِالْعلمِ وَقد لَا يحصل الْعلم فِي الْمُسْتَقْبل بل يَزُول عَن الْقلب وَإِن حصل فقد لَا يحصل الْعَمَل فَالنَّاس كلهم متضطرون إِلَى هَذَا الدُّعَاء وَلِهَذَا فَرْضه الله عَلَيْهِم فِي كل صَلَاة فليسوا إِلَى شَيْء من الدُّعَاء أحْوج مِنْهُم إِلَيْهِ وَإِذا حصل الْهدى إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم حصل النَّصْر والرزق وَسَائِر مَا تطلب النُّفُوس من السَّعَادَة وَالله أعلم

الصفحة 12