كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

لِأَن هَذِه الْأَعْمَال لَا يحصل مِنْهَا فِي الْعَادة من نفع النَّاس الَّذِي يعظمون بِهِ الشَّخْص ويسودونه مَا يحصل بالتعليم والإنفاق والحسد فِي الأَصْل إِنَّمَا يَقع لما يحصل للْغَيْر من السؤدد والرياسة وَإِلَّا فالعامل لَا يحْسد فِي الْعَادة وَلَو كَانَ تنعمه بِالْأَكْلِ وَالشرب وَالنِّكَاح أَكثر من غَيره بِخِلَاف هذَيْن النَّوْعَيْنِ فَإِنَّهُمَا يحسدان كثيرا وَلِهَذَا يُوجد بَين أهل الْعلم الَّذين لَهُم اتِّبَاع من الْحَسَد مَالا يُوجد فِيمَن لَيْسَ كَذَلِك وَكَذَلِكَ فِيمَن لَهُ أَتبَاع بِسَبَب إِنْفَاق مَاله فَهَذَا ينفع النَّاس بقوت الْقُلُوب وَهَذَا يَنْفَعهُمْ بقوت الْأَبدَان وَالنَّاس كلهم محتاجون إِلَى مَا يصلحهم من هَذَا وَهَذَا وَلِهَذَا ضرب الله سُبْحَانَهُ مثلين مثلا بِهَذَا فَقَالَ النَّحْل ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شَيْء وَمن رزقناه منا رزقا حسنا فَهُوَ ينْفق مِنْهُ سرا وجهرا هَل يستون الْحَمد لله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ وَضرب الله مثلا رجلَيْنِ أَحدهمَا أبكم لَا يقدر على شَيْء وَهُوَ كل على مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يوجهه لَا يَأْتِ بِخَير هَل يستوى هُوَ وَمن يَأْمر بِالْعَدْلِ وَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم والمثلان ضربهما الله سُبْحَانَهُ لنَفسِهِ المقدسة وَلما يعبد من دونه فَإِن الْأَوْثَان لَا تقدر لَا على عمل ينفع وَلَا على كَلَام ينفع فَإِذا قدر عبد مَمْلُوك لَا يقدر على شَيْء وَآخر قد رزقه الله رزقا حسنا فَهُوَ ينْفق مِنْهُ سرا وجهرا هَل يَسْتَوِي هَذَا الْمَمْلُوك الْعَاجِز عَن الْإِحْسَان وَهَذَا الْقَادِر على الاحسان المحسن إِلَى النَّاس سرا وجهرا وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَادر على الْإِحْسَان إِلَى عباده وَهُوَ محسن إِلَيْهِم دَائِما فَكيف يشبه بِهِ الْعَاجِز الْمَمْلُوك الَّذِي لَا يقدر على شَيْء حَتَّى يُشْرك بِهِ مَعَه وَهَذَا مثل الَّذِي اعطاه الله مَالا فَهُوَ ينْفق مِنْهُ آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار والمثل الثَّانِي إِذا قدر شخصان أَحدهمَا أبكم لَا يعقل وَلَا يتَكَلَّم وَلَا يقدر على شَيْء وَهُوَ مَعَ هَذَا كل على مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يوجهه لَا يَأْتِ بِخَير فَلَيْسَ فِيهِ من نفع قطّ بل هُوَ كل على من يتَوَلَّى أمره وَآخر عَالم عَادل يَأْمر بِالْعَدْلِ وَيعْمل بِالْعَدْلِ فَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم وَهَذَا نَظِير الَّذِي أعطَاهُ الله الْحِكْمَة فَهُوَ يعْمل بهَا وَيعلمهَا للنَّاس وَقد ضرب ذَلِك مثلا لنَفسِهِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ عَالم عَادل قَادر يَأْمر بِالْعَدْلِ وَهُوَ قَائِم بِالْقِسْطِ على صِرَاط مُسْتَقِيم كَمَا قَالَ تَعَالَى آل عمرَان شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وأولو الْعلم قَائِما بِالْقِسْطِ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم وَقَالَ هود هود إِن رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم وَلِهَذَا كَانَ النَّاس يعظمون

الصفحة 16