كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

من يعرف أَنه لَا يزاحم على الْكُبْرَى ويؤتمن على المَال من يعرف أَنه لَيْسَ لَهُ غَرَض فِي أَخذ شَيْء مِنْهُ وَإِذا ائْتمن من فِي نَفسه خِيَانَة شبه بالذئب المؤتمن على الْغنم فَلَا يقدر أَن يُؤَدِّي الْأَمَانَة فِي ذَلِك لما فِي نَفسه من الطّلب لما ائمتن عَلَيْهِ وَفِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كُنَّا يَوْمًا جَلَسُوا عِنْد رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَقَالَ يطلع عَلَيْكُم الْآن من هَذَا الْفَج رجل من أهل الْجنَّة قَالَ فطلع رجل من الْأَنْصَار تنطف لحيته من وضوء قد علق نَعْلَيْه فِي يَده الشمَال فَسلم فَلَمَّا كَانَ الْغَد قَالَ النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) مثل ذَلِك فطلع ذَلِك الرجل على مثل حَاله فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ ومقالته فطلع ذَلِك الرجل على مثل حَاله فَلَمَّا قَامَ النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) اتبعهُ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ إِنِّي لاحيت أبي فأقسمت أَن لَا أَدخل عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِن رَأَيْت أَن تؤويني إِلَيْك حَتَّى تمْضِي الثَّلَاث فعلت قَالَ نعم قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ فَكَانَ عبد الله يحدث أَنه بَات عِنْده ثَلَاث لَيَال فَلم يره يقوم من اللَّيْل شَيْئا غير انه إِذا تعار وانقلب على فرَاشه ذكر الله عز وَجل وَكبر حَتَّى يقوم إِلَى صَلَاة الْفجْر فَقَالَ عبد الله غير أَنِّي لم اسْمَعْهُ يَقُول إِلَّا خيرا فَلَمَّا فَرغْنَا من الثَّلَاث وكدت أَن أَحْقَر عمله قلت يَا عبد الله لم يكن بيني وَبَين وَالِدي غضب وَلَا هِجْرَة وَلَكِن سَمِعت رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يَقُول ثَلَاث مَرَّات يطلع عَلَيْكُم رجل من أهل الْجنَّة فطلعت أَنْت الثَّلَاث المرات فَأَرَدْت أَن آوى إِلَيْك لأنظر مَا عَمَلك فأقتدي بذلك فَلم أرك تعْمل كثير عمل فَمَا الَّذِي بلغ بك مَا قَالَ رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْت غير أنني لَا أجد على أحد من الْمُسلمين فِي نَفسِي غشا وَلَا حسدا على خير أعطَاهُ الله إِيَّاه قَالَ عبد الله هَذِه الَّتِي بلغت بك وَهِي الَّتِي لَا نطيق فَقَوْل عبد الله بن عَمْرو لَهُ هَذِه الَّتِي بلغت بك وَهِي الَّتِي لَا نطيق يُشِير إِلَى خلوه وسلامته من جَمِيع أَنْوَاع الْحَسَد وَبِهَذَا أثنى الله تَعَالَى على الْأَنْصَار فَقَالَ الْحَشْر وَلَا يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة أَي مِمَّا أُوتِيَ إخْوَانهمْ الْمُهَاجِرُونَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ لَا يَجدونَ فِي صدروهم حَاجَة أَي حسدا وغيظا مِمَّا أُوتِيَ الْمُهَاجِرُونَ ثمَّ قَالَ بَعضهم من مَال الْفَيْء وَقيل من الْفضل والتقدم فهم لَا يَجدونَ حَاجَة

الصفحة 18