كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

مِمَّا أُوتُوا من المَال وَلَا من الجاه والحسد يَقع على هَذَا وَكَانَ بَين الْأَوْس والخزرج مُنَافَسَة على الدّين فَكَانَ هَؤُلَاءِ إِذا فعلوا مَا يفضلون بِهِ عِنْد الله وَرَسُوله أحب الْآخرُونَ ان يَفْعَلُوا نَظِير ذَلِك فَهُوَ مُنَافَسَة فِيمَا يقربهُمْ إِلَى الله كَمَا قَالَ المطففين وَفِي ذَلِك فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ وَأما الْحَسَد المذموم كُله فقد قَالَ تَعَالَى فِي حق الْيَهُود الْبَقَرَة ود كثير من أهل الْكتاب لَو يردونكم من بعد إيمَانكُمْ كفَّارًا حسدا من عِنْد أنفسهم من بعد مَا تبين لَهُم الْحق يودون أَي يتمنون أرتدادكم حسدا فَجعل الْحَسَد هُوَ الْمُوجب لذَلِك الود من بعد مَا تبين لَهُم الْحق لأَنهم لما رَأَوْا أَنكُمْ قد حصل لكم من النِّعْمَة مَا حصل بل مالم يحصل لَهُم مثله حسدوكم وَكَذَلِكَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى النِّسَاء أم يحسدون النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله فقد آتَيْنَا آل إِبْرَاهِيم الْكتاب وَالْحكمَة وآتيناهم ملكا عَظِيما فَمنهمْ من آمن بِهِ وَمِنْهُم من صد عَنهُ وَكفى بجهنم سعيرا وَقَالَ تَعَالَى قل أعوذ بِرَبّ الفلق من شَرّ مَا خلق وَمن شَرّ غَاسِق إِذا وَقت وَمن شَرّ النفاثات فِي العقد وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد وَقد ذكر طَائِفَة من الْمُفَسّرين أَنَّهَا نزلت بسب حسد الْيَهُود للنَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) حَتَّى سحروه سحره لبيد بن الأعصم الْيَهُودِيّ فالحاسد الْمُبْغض للنعمة على من أنعم الله عَلَيْهِ بهَا ظَالِم مُعْتَد والكاره لتفضيله الْمُحب لمماثلته مَنْهِيّ عَن ذَلِك إِلَّا فِيمَا يقربهُ إِلَى الله فَإِذا أحب أَن يعْطى مثل مَا أعْطى مِمَّا يقربهُ إِلَى الله فَهَذَا لَا بَأْس بِهِ وإعراض قلبه عَن هَذَا بِحَيْثُ لَا ينظر إِلَى حَال الْغَيْر أفضل ثمَّ هَذَا الْحَسَد إِن عمل بِمُوجبِه صَاحبه كَانَ ظَالِما معتديا مُسْتَحقّا للعقوبة إِلَّا أَن يَتُوب وَكَانَ الْمَحْسُود مَظْلُوما مَأْمُورا بِالصبرِ وَالتَّقوى فيصبر على أَذَى الْحَاسِد وَيَعْفُو ويصفح عَنهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى الْبَقَرَة ود كثير من أهل الْكتاب لَو يردونكم من بعد إيمَانكُمْ كفَّارًا حسدا من عِنْد أنفسهم من بعد مَا تبين لَهُم الْحق فاعفوا واصحفوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره وَقد ابتلى يُوسُف بحسد إخْوَة لَهُ حَيْثُ قَالُوا يُوسُف ليوسف وَأَخُوهُ أحب إِلَى أَبينَا منا وَنحن عصبَة إِن أَبَانَا لفي ضلال مُبين فحسدوهما على تَفْضِيل الْأَب لَهما وَلِهَذَا قَالَ يَعْقُوب ليوسف يُوسُف لَا تقصص رُؤْيَاك على إخْوَتك فيكيدوا لَك كيدا إِن الشَّيْطَان للْإنْسَان عَدو مُبين ثمَّ إِنَّهُم ظلموه بتكلمهم فِي قَتله وإلقائه فِي الْجب وَبيعه رَقِيقا لمن ذهب بِهِ إِلَى بِلَاد الْكفْر فَصَارَ مَمْلُوكا لقوم كفار ثمَّ إِن يُوسُف ابتلى بعد أَن ظلم بِمن يَدعُوهُ إِلَى

الصفحة 19