كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

مَأْمُور بِهِ لله فيفعله لأجل هَوَاهُ لَا لله وَهَذِه أمراض كَثِيرَة فِي النُّفُوس وَالْإِنْسَان قد يبغض شَيْئا فيبغض لأَجله أمورا كَثِيرَة بِمُجَرَّد الْوَهم والخيال وَكَذَلِكَ يحب شَيْئا فيحب لأَجله أمورا كَثِيرَة لأجل الْوَهم والخيال كَمَا قَالَ شَاعِرهمْ أحب لحبها السودَان حَتَّى أحب لحبها سود الْكلاب فقد أَحسب سَوْدَاء فَأحب جنس السوَاد حَتَّى فِي الْكلاب وَهَذَا كُله مرض فِي الْقلب فِي تصَوره وإرادته فنسأل الله ان يعافى قُلُوبنَا من كل دَاء ونعوذ بِاللَّه من مُنكرَات الْأَخْلَاق والأهواء والأدواء وَالْقلب إِنَّمَا خلق لأجل حب الله تَعَالَى وَهَذِه الْفطْرَة الَّتِي فطر الله عَلَيْهَا عباده كَمَا قَالَ النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو ينصرَانِهِ أَو يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تنْتج الْبَهِيمَة بَهِيمَة جَمْعَاء هَل تُحِسُّونَ فِيهَا من جَدْعَاء ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ اقْرَءُوا إِن شِئْتُم الرّوم فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فَالله سُبْحَانَهُ فطر عباده على محبته وعبادته وَحده فَإِذا تركت الْفطْرَة بِلَا فَسَاد كَانَ الْقلب عَارِفًا بِاللَّه محبا لَهُ وَحده لَكِن تفْسد فطرته من مَرضه كأبويه يُهَوِّدَانِهِ أَو ينصرَانِهِ وَهَذِه كلهَا تغير فطرته الَّتِي فطره الله عَلَيْهَا وَإِن كَانَت بِقَضَاء الله وَقدره كَمَا يُغير الْبدن بالجدع ثمَّ قد يعود إِلَى الْفطْرَة إِذا يسر الله تَعَالَى لَهَا من يسْعَى فِي إِعَادَتهَا إِلَى الْفطْرَة وَالرسل صلى الله عَلَيْهِم وَسلم بعثوا لتقرير الْفطْرَة وتكميلها لَا لتغيير الْفطْرَة وَتَحْوِيلهَا وَإِذا كَانَ الْقلب محبا لله وَحده مخلصا لَهُ الدّين لم يبتل بحب غَيره فضلا أَن يبتلى بالعشق وَحَيْثُ ابتلى بالعشق فلنقص محبته لله وَحده وَلِهَذَا لما كَانَ يُوسُف محبا لله مخلصا لَهُ الدّين لم يبتل بذلك بل قَالَ تَعَالَى يُوسُف كَذَلِك لنصرف عَنهُ السوء والفحشاء إِنَّه من عبادنَا المخلصين وَأما امْرَأَة الْعَزِيز فَكَانَت مُشركَة هِيَ وقومها فَلذَلِك ابْتليت بالعشق وَمَا يبتلى بالعشق أحد إِلَّا لنَقص توحيده وإيمانه وَإِلَّا فالقلب الْمُنِيب إِلَى الله الْخَائِف مِنْهُ فِيهِ صَار فَإِن يصرفانه عَن الْعِشْق أَحدهمَا إنابته إِلَى الله ومحبته لَهُ فَإِن ذَلِك ألذ وَأطيب من كل شَيْء فَلَا تبقى مَعَ محبَّة الله محبَّة مَخْلُوق تزاحمه وَالثَّانِي خَوفه من الله فَإِن الْخَوْف المضاد للعشق يصرفهُ وكل من احب شَيْئا بعشق أَو بِغَيْر عشق فَإِنَّهُ يصرف عَن محبته بمحبة مَا هُوَ احب إِلَيْهِ مِنْهُ إِذا كَانَ يزاحمه وينصرف عَن محبته بخوف حُصُول ضَرَر يكون ابغض إِلَيْهِ من

الصفحة 26