كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

وكل مِنْهُمَا يحصل بفقده ألم وَعَذَاب فَكَمَا أَنه مَعَ صِحَة الْحس وَالْحَرَكَة الإرادية والطبيعية تحصل اللَّذَّة وَالنعْمَة فَكَذَلِك بفسادها يحصل الْأَلَم وَالْعَذَاب وَلِهَذَا كَانَت النِّعْمَة من النَّعيم وَهُوَ مَا ينعم الله بِهِ على عباده مِمَّا يكون فِيهِ لَذَّة ونعيم وَقَالَ التكاثر لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم أَي عَن شكره فسبب اللَّذَّة إحساس الملائم وَسبب الْأَلَم إحساس الْمنَافِي لَيْسَ اللَّذَّة والألم نفس الإحساس والإدراك وَإِنَّمَا هونتيجته وثمرته ومقصوده وغايته فالمرض فِيهِ ألم لَا بُد مِنْهُ وَإِن كَانَ قد يسكن احيانا لمعارض رَاجِح فالمقتضى لَهُ قَائِم يهيج بِأَدْنَى سَبَب فَلَا بُد فِي الْمَرَض من وجود سَبَب الْأَلَم وَإِنَّمَا يَزُول الْأَلَم بِوُجُود الْمعَارض وَالرَّاجِح وَلَذَّة الْقلب وألمه أعظم من لَذَّة الْجِسْم وألمه أَعنِي ألمه ولذته النفسانيين وَإِن كَانَ قد يحصل فِيهِ من الْأَلَم من جنس مَا يحصل فِي سَائِر الْبدن بِسَبَب مرض الْجِسْم فَذَلِك شَيْء آخر فَلذَلِك كَانَ مرض الْقلب وشفاؤه اعظم من مرض الْجِسْم وشفائه فَتَارَة يكون من جملَة الشُّبُهَات كَمَا قَالَ الْأَحْزَاب فيطمع الَّذِي فِي قلبه مرض وكما صنف الخرائطي كتاب اعتلال الْقُلُوب بالأهواء فَفِي قُلُوب الْمُنَافِقين الْمَرَض من هَذَا الْوَجْه من جِهَة فَسَاد الاعتقادات وَفَسَاد الإرادات والمظلوم فِي قلبه مرض وَهُوَ الْأَلَم الْحَاصِل بِسَبَب ظلم الْغَيْر لَهُ فَإِذا استوفى حَقه اشتفى قلبه كَمَا قَالَ تَعَالَى التَّوْبَة ويشف صُدُور قوم مُؤمنين وَيذْهب غيظ قُلُوبهم فَإِن ذهَاب غيظ الْقلب إِنَّمَا هُوَ لدفع الْأَذَى والألم عَنهُ فَإِذا انْدفع عَنهُ الْأَذَى وَاسْتوْفى حَقه زَالَ غيظه فَكَمَا أَن الْإِنْسَان إِذا صَار لَا يسمع بأذنه وَلَا يبصر بِعَيْنِه كَانَ ذَلِك مَرضا مؤلما لَهُ بِمَا يفوتهُ من الْمصَالح وَيحصل لَهُ من المضار فَكَذَلِك إِذا لم يسمع وَلم يبصر وَلم يعلم بِقَلْبِه الْحق من الْبَاطِل وَلم يُمَيّز بَين الْخَيْر وَالشَّر والعي والرشاد كَانَ ذَلِك من أعظم أمراض قلبه وألمه وكما أَنه إِذا اشْتهى مَا يضرّهُ مثل الطَّعَام الْكثير فِي الشَّهْوَة الْكُلية وَمثل أكل الطين وَنَحْوه كَانَ ذَلِك مَرضا فَإِنَّهُ يتألم حَتَّى يَزُول ألمه بِهَذَا الْأكل الَّذِي يُوجد ألما أَكثر من الأول فَهُوَ يتألم إِن أكل ويتألم إِن لم يَأْكُل

الصفحة 29