كتاب أمراض القلوب وشفاؤها
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله نستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا من يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَصَحبه وَسلم أما بعد فَهَذِهِ كَلِمَات مختصرة فِي أَعمال الْقُلُوب الَّتِي تسمى المقامات وَالْأَحْوَال وَهِي من أصُول الايمان وقواعد الدّين مثل محبَّة الله وَرَسُوله والتوكل على الله وإخلاص الدّين لَهُ وَالشُّكْر لَهُ وَالصَّبْر على حكمه وَالْخَوْف مِنْهُ والرجاء لَهُ وَمَا يتبع ذَلِك اقْتضى ذَلِك بعض من أوجب الله حَقه من أهل الْإِيمَان واستكتبها وكل منا عجلَان فَأَقُول هَذِه الْأَعْمَال جَمِيعهَا وَاجِبَة على جَمِيع الْخلق المأمورين فِي الأَصْل بِاتِّفَاق أَئِمَّة الدّين وَالنَّاس فِي هَذَا على ثَلَاث دَرَجَات كَمَا هم فِي أَعمال الْأَبدَان على ثَلَاث دَرَجَات ظَالِم لنَفسِهِ ومقتصد وسابق بالخيرات فالظالم لنَفسِهِ العَاصِي بترك مَأْمُور وَفعل مَحْظُور والمقتصد الْمُؤَدِّي الْوَاجِبَات والتارك الْمُحرمَات وَالسَّابِق بالخيرات المتقرب بِمَا يقدر عَلَيْهِ من وَاجِب ومسنون والتارك للْمحرمِ وَالْمَكْرُوه وَإِن كَانَ كل من المقتصد وَالسَّابِق قد تكون لَهُ ذنُوب تمحى عَنهُ بتوبة وَالله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين إِمَّا بحسنات ماحية وَإِمَّا بمصائب مفكرة وَإِمَّا بِغَيْر ذَلِك وكل من الصِّنْفَيْنِ الْمُقْتَصِدِينَ والسابقين من أَوْلِيَاء الله الَّذِي ذكرهم فِي كِتَابه يُونُس فأولياء الله هم الْمُؤْمِنُونَ المتقون وَلَكِن ذَلِك يَنْقَسِم إِلَى عَام وهم المقتصدون وخاص وهم السَّابِقُونَ وَإِن كَانَ السَّابِقُونَ هم أَعلَى دَرَجَات كالأنبياء وَالصديقين وَقد ذكر النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْقسمَيْنِ فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه قَالَ يَقُول الله من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وَمَا تقرب إِلَى عَبدِي بِمثل أَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِ وَلَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب إِلَيّ بالنوافل حَتَّى أحبه فَإِذا أحببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ وبصره الَّذِي يبصر بِهِ وَيَده الَّتِي يبطش بهَا وَرجله الَّتِي يمشي بهَا فَبِي يسمع وَبِي يبصر وَبِي يبطش وَبِي يمشي وَلَئِن سَأَلَني لأعطينه وَلَئِن استعاذني لأعيذنه وَمَا ترددت عَن شَيْء أَنا فَاعل ترددي عَن قبض نفس عَبدِي الْمُؤمن يكره الْمَوْت وأكره مساءته
الصفحة 36
81