كتاب أمراض القلوب وشفاؤها
وَلَا بُد لَهُ مِنْهُ وَمَا الظَّالِم لنَفسِهِ من أهل الْإِيمَان فَفِيهِ من ولَايَة الله بِقدر إيمَانه وتقواه كَمَا مَعَه من ضد ذَلِك بِقدر فجوره فالشخص الْوَاحِد قد تَجْتَمِع فِيهِ الْحَسَنَات الْمُقْتَضِيَة للثَّواب والسيئات الْمُقْتَضِيَة للعقاب حَتَّى يُمكن أَن يُثَاب ويعاقب وَهَذَا قَول أَصْحَاب رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وأئمة الْإِسْلَام وَأهل السّنة وَالْجَمَاعَة الَّذين يَقُولُونَ إِنَّه لَا يخلد فِي النَّار من فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان وَأما الْقَائِلُونَ بالتخليد كالخوارج أَو الْمُعْتَزلَة الْقَائِلين أَنه لَا يخرج من النَّار من دَخلهَا من أهل الْقبْلَة وَأَنه لَا شَفَاعَة للرسول وَلَا لغيره فِي اهل الْكَبَائِر لَا قبل دُخُول النَّار وَلَا بعْدهَا فعندهم لَا يجْتَمع فِي الشَّخْص الْوَاحِد ثَوَاب وعقاب وحسنات وسيئات بل من اثيب لَا يُعَاقب وَمن عُوقِبَ لم يثب وَدَلَائِل هَذَا الأَصْل من الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة كثير لَيْسَ هَذَا هُوَ مَوْضِعه قد بسطناه فِي مَوْضِعه وَيَنْبَنِي على هَذَا أُمُور كَثِيرَة وَلِهَذَا من كَانَ مَعَه إِيمَان حَقِيقِيّ فَلَا بُد أَن يكون مَعَه من هَذِه الْأَعْمَال بِقدر إيمَانه وَإِن كَانَ لَهُ ذنُوب كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا كَانَ يُسمى حمارا وَكَانَ يضْحك النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَكَانَ يشرب الْخمر ويجلده النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَأتى بِهِ مرّة فَقَالَ رجل لَعنه الله مَا أَكثر مَا يُؤْتِي بِهِ إِلَى النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَقَالَ النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لَا تلعنه فَإِنَّهُ يحب الله وَرَسُوله فَهَذَا بَين أَن المذنب بِالشرابِ وَغَيره قد يكون محبا لله وَرَسُوله وَحب الله رَسُوله أوثق عرى الْإِيمَان كَمَا أَن العابد الزَّاهِد قد يكون لما فِي قلبه من بِدعَة ونفاق مسخوطا عِنْد الله وَرَسُوله من ذَلِك الْوَجْه كَمَا استفاض فِي الصِّحَاح وَغَيرهَا من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) انه ذكر الْخَوَارِج فَقَالَ يحقر أحدكُم صلَاته مَعَ صلَاتهم وصيامه مَعَ صِيَامهمْ وقراءته مَعَ قارءتهم يقرءُون الْقُرْآن لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَام كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية أَيْنَمَا لقيتموهم فاقتلوهم فَإِن فِي قَتلهمْ أجرا عِنْد الله لمن قَتلهمْ لَئِن أدركتهم لأقتلنهم قتل عَاد وَهَؤُلَاء أَصْحَاب رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب بِأَمْر النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَقَالَ النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فيهم فِي الحَدِيث الصَّحِيح تمرق مارقة على خير فرقة من الْمُسلمين يقتلهُمْ أدنى الطَّائِفَتَيْنِ وَلِهَذَا قَالَ أَئِمَّة الْمُسلمين كسفيان الثَّوْريّ أَن الْبِدْعَة أحب إِلَى إِبْلِيس من الْمعْصِيَة لِأَن الْبِدْعَة لَا يُتَاب مِنْهَا وَالْمَعْصِيَة يُتَاب مِنْهَا وَمعنى قَوْلهم أَن الْبِدْعَة لَا يُتَاب مِنْهَا أَن المبتدع الَّذِي يتَّخذ دينا لم يشرعه الله وَرَسُوله قد زين لَهُ سوء عمله فَرَآهُ حسنا فَهُوَ لَا يَتُوب
الصفحة 38
81