كتاب أمراض القلوب وشفاؤها
مَا دَامَ يرَاهُ حسنا لِأَن أول التَّوْبَة الْعلم بِأَن فعله سيء ليتوب مِنْهُ أَو أَنه ترك حسنا مَأْمُورا بِهِ أَمر إِيجَاب أَو أَمر اسْتِحْبَاب ليتوب ويفعله فَمَا دَامَ يرى فعله حسنا وَهُوَ سيء فِي نفس الْأَمر فَإِنَّهُ لَا يَتُوب وَلَكِن التَّوْبَة مُمكنَة وواقعه بِأَن يهديه الله ويرشده حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ الْحق كَمَا هدى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من هدى من الْكفَّار والمافقين وَطَوَائِف أهل الْبدع والضلال وَهَذَا يكون بِأَن يتبع من الْحق مَا علمه فَمن عمل بِمَا علم أورثه الله علم مَا لم يعلم كَمَا قَالَ تَعَالَى مُحَمَّد وَالَّذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم وَقَالَ النِّسَاء وَلَو أَنهم فعلوا مَا يوعظون بِهِ لَكَانَ خيرا لَهُم وَأَشد تثيبتا وَإِذا لآتيناهم من لدنا أجرا عَظِيما ولهديناهم صراطا مُسْتَقِيمًا وَقَالَ تَعَالَى الْحَدِيد يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وآمنوا بِرَسُولِهِ يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ وَقَالَ تَعَالَى الْبَقَرَة الله ولي الَّذين آمنُوا يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور وَقَالَ تَعَالَى الْمَائِدَة قد جَاءَكُم من الله نور وَكتاب مُبين يهدي بِهِ الله من اتبع رضوانه سبل السَّلَام الْآيَة وشواهد هَذَا كَثِيرَة فِي الْكتاب وَالسّنة وَكَذَلِكَ من أعرض عَن اتِّبَاع الْحق الَّذِي يُعلمهُ تبعا لهواه فَإِن ذَلِك يورثه الْجَهْل والضلال حَتَّى يعمى قلبه عَن الْحق الْوَاضِح كَمَا قَالَ تَعَالَى الصَّفّ فَلَمَّا زاغوا أزاغ الله قُلُوبهم الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى الْبَقَرَة فِي قُلُوبهم مرض فَزَادَهُم الله مَرضا وَقَالَ تَعَالَى الْأَنْعَام وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن جَاءَتْهُم آيَة ليُؤْمِنن بهَا قل إِنَّمَا الْآيَات عِنْد الله وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم الْآيَة وَهَذَا اسْتِفْهَام نفي وإنكار أَي وَمَا يدريكم أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ وَإِنَّا نقلب أفئدتهم وأبصارهم كَمَا لم يُؤمنُوا بِهِ أول مرّة على قِرَاءَة من قَرَأَ إِنَّهَا بِالْكَسْرِ تكون جزما بِأَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كَمَا لم يُؤمنُوا بِهِ أول مرّة وَلِهَذَا قَالَ من قَالَ من السّلف كسعيد بن جُبَير إِن من ثَوَاب الْحَسَنَة الْحَسَنَة بعْدهَا وَإِن من عُقُوبَة السَّيئَة السَّيئَة بعْدهَا وَقد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه قَالَ عَلَيْكُم بِالصّدقِ فَإِن الصدْق يهدي إِلَى الْبر وَإِن الْبر يهدي إِلَى الْجنَّة وَلَا يزَال الرجل يصدق ويتحرى الصدْق حَتَّى يكْتب عِنْد الله صديقا وَإِيَّاكُم وَالْكذب فَإِن الْكَذِب يهدي إِلَى الْفُجُور وَإِن الْفُجُور يهدي إِلَى النَّار وَلَا يزَال الرجل يكذب ويتحرى الْكَذِب حَتَّى يكْتب عِنْد الله كذابا فَأخْبر النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَن الصدْق يسْتَلْزم الْبر وَأَن الْكَذِب يسْتَلْزم الْفُجُور وَقد قَالَ تَعَالَى الانفطار
الصفحة 39
81