كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

منهى عَنْهَا وَإِلَّا كَانَ حسب صَاحبه رفع الْإِثْم عَنهُ من جِهَة الْحزن وَأما إِن أفْضى إِلَى ضعف الْقلب واشتغاله بِهِ عَن فعل مَا أَمر الله وَرَسُوله بِهِ كَانَ مذموما عَلَيْهِ من تِلْكَ الْجِهَة وَإِن كَانَ مَحْمُودًا من جِهَة أُخْرَى وَأما الْمحبَّة لله والتوكل وَالْإِخْلَاص لَهُ وَنَحْو ذَلِك فَهَذِهِ كلهَا خير مَحْض وَهِي حَسَنَة محبوبة فِي حق كل النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَمن قَالَ إِن هَذِه المقامات تكون للعامة دون الْخَاصَّة فقد غلط فِي ذَلِك إِن أَرَادَ خُرُوج الْخَاصَّة عَنْهَا فَإِن هَذِه لَا يخرج عَنْهَا مُؤمن قطّ وَإِنَّمَا يخرج عَنْهَا كَافِر ومنافق وَقد تكلم بَعضهم بِكَلَام بَينا غلطه فِيهِ وَأَنه تَقْصِير فِي تَحْقِيق هَذِه المقامات من مُدَّة وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه وَلَكِن هَذِه المقامات يَنْقَسِم النَّاس فِيهَا إِلَى خُصُوص وَعُمُوم فللخاصة خاصها وللعامة عامها مِثَال ذَلِك أَن هَؤُلَاءِ قَالُوا إِن التَّوَكُّل مناضلة عَن النَّفس فِي طلب الْقُوت وَالْخَاص لَا يناضل عَن نَفسه وَقَالُوا المتَوَكل يطْلب بتوكله أمرا من الْأُمُور والعارف يشْهد الْأُمُور بفروغه مِنْهَا فَلَا يطْلب شَيْئا فَيُقَال أما الأول فَإِن التَّوَكُّل أَعم من التَّوَكُّل فِي مصَالح الدُّنْيَا فَإِن المتَوَكل يتوكل على الله فِي صَلَاح قلبه وَدينه وَحفظ لِسَانه وإرادته وَهَذَا أهم الْأُمُور إِلَيْهِ وَلِهَذَا يُنَاجِي ربه فِي كل صَلَاة بقوله إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين كَمَا فِي قَوْله هود فاعبده وتوكل عَلَيْهِ وَقَوله هود والشورى عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب فَهُوَ قد جمع بَين الْعِبَادَة والتوكل فِي عدَّة مَوَاضِع لِأَن هذَيْن يجمعان الدّين كُله وَلِهَذَا قَالَ من قَالَ من السّلف إِن الله جمع الْكتب الْمنزلَة فِي الْقُرْآن وَجمع علم الْقُرْآن فِي الْمفصل وَجمع علم الْمفصل فِي فَاتِحَة الْكتاب وَجمع علم فَاتِحَة الْكتاب فِي قَوْله إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين وَهَاتَانِ الكلمتان الجامعتان اللَّتَان للرب وَالْعَبْد كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي فِي صَحِيح مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه قَالَ يَقُول الله سُبْحَانَهُ قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ نصفهَا لي وَنِصْفهَا لعبدي ولعبدي مَا سَأَلَ قَالَ رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يَقُول العَبْد الْحَمد لله رب الْعَالمين يَقُول الله حمدني عَبدِي يَقُول العَبْد الرَّحْمَن الرَّحِيم يَقُول الله أثني على عَبدِي يَقُول العَبْد مَالك يَوْم الدّين يَقُول الله مجدني عَبدِي يَقُول العَبْد إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين يَقُول الله فَهَذِهِ الْآيَة بيني وَبَين عَبدِي ولعبدي مَا سَأَلَ يَقُول العَبْد اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين يَقُول الله فَهَؤُلَاءِ لعبدي ولعبدي مَا سَأَلَ

الصفحة 43