كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

فسنيسره لليسرى وَأما من بخل وَاسْتغْنى وَكذب بِالْحُسْنَى فسنيسره للعسرى أخرجه الْجَمَاعَة فِي الصِّحَاح وَالسّنَن وَالْمَسَانِيد وروى التِّرْمِذِيّ أَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) سُئِلَ فَقيل يَا رَسُول الله أَرَأَيْت أدوية نتداوى بهَا ورقى نسترقي بهَا وتقى نتقيها أترد من قدر الله شَيْئا فَقَالَ هِيَ من قدر الله وَقد جَاءَ هَذَا الْمَعْنى عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فِي عدَّة أَحَادِيث فَبين صلى الله عله وَسلم أَن تقدم الْعلم وَالْكتاب بالسعيد والشقي لَا يُنَافِي أَن تكون سَعَادَة هَذَا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة وشقاوة هَذَا بِالْأَعْمَالِ السَّيئَة فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يعلم الْأُمُور على مَا هِيَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ يَكْتُبهَا فَهُوَ يعلم أَن السعيد يسْعد بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة والشقي يشقى بِالْأَعْمَالِ السَّيئَة فَمن كَانَ سعيدا ييسر للأعمال الصَّالِحَة والشقي يشقى بِالْأَعْمَالِ السَّيئَة فَمن كَانَ للأعمال السَّيئَة الَّتِي تَقْتَضِي الشقاوة كِلَاهُمَا ميسر لما خلق لَهُ وَهُوَ مَا يصير إِلَيْهِ من مَشِيئَة الله الْعَامَّة الكونية الَّتِي ذكرهَا الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه فِي قَوْله تَعَالَى هود وَلَا يزالون مُخْتَلفين إِلَّا من رحم رَبك وَلذَلِك خلقهمْ وَأما مَا خلقُوا لَهُ من محبَّة الله وَرضَاهُ وَهُوَ إِرَادَته الدِّينِيَّة وَأمره بموجباتها فَذَلِك مَذْكُور فِي قَوْله الذاريات وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون وَالله سُبْحَانَهُ قد بَين فِي كِتَابه فِي كل وَاحِدَة من الْكَلِمَات وَالْأَمر والإرادة وَالْإِذْن وَالْكتاب وَالْحكم وَالْقَضَاء وَالتَّحْرِيم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ ديني مُوَافَقَته لمحبة الله وَرضَاهُ وَأمره الشَّرْعِيّ وَمَا هُوَ كوني مُوَافَقَته لمشيئته الكونية مِثَال ذَلِك أَنه قَالَ فِي الْأَمر الديني النَّحْل إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وإيتاء ذِي القربي وَقَالَ تَعَالَى النِّسَاء إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا وَنَحْو ذَلِك وَقَالَ فِي الكوني ياسين إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون وَكَذَلِكَ قَوْله الْإِسْرَاء وَإِذا أردنَا أَن نهلك قَرْيَة أمرنَا مُتْرَفِيهَا ففسقوا فِيهَا فَحق عَلَيْهَا القَوْل على أحد الْأَقْوَال فِي هَذِه الْآيَة وَقَالَ فِي الارادة الدِّينِيَّة الْبَقَرَة يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر النِّسَاء يُرِيد الله ليبين لكم وَيهْدِيكُمْ سنَن الَّذين من قبلكُمْ وَيَتُوب عَلَيْكُم وَالله عليم حَكِيم الْمَائِدَة مَا يُرِيد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وَقَالَ فِي الإرادات الكونية الْبَقَرَة وَلَو شَاءَ الله مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِن الله يفعل مَا يُرِيد وَقَالَ الْأَنْعَام فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا كَأَنَّمَا يصعد فِي السَّمَاء وَقَالَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام هود وَلَا ينفعكم نصحي إِن

الصفحة 46