كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

وَيشْهدُونَ فِي ذَلِك بِكَلِمَات مجملة نقلت عَن بعض الْأَشْيَاخ أَو بِبَعْض غلطات بَعضهم وَهَذَا أصل عَظِيم من اعظم مَا يجب الاعتناء بِهِ على أهل طَرِيق الله السالكين سَبِيل إِرَادَة الدّين يُرِيدُونَ وَجهه فَإِنَّهُ قد دخل بِسَبَب إهمال ذَلِك على طوائف مِنْهُم من الْكفْر والفسوق والعصيان مَالا يُعلمهُ إِلَّا الله حَتَّى يصيروا معاونين على الْبَغي والعدوان للمسلطين فِي الأَرْض من أهل الظُّلم والعلو الَّذين يتوجهون بقلوبهم فِي معاونة من يهوونه من أهل الْعُلُوّ فِي الأَرْض وَالْفساد ظانين أَنهم إِذا كَانَت لَهُم احوال أثروا بهَا فِي ذَلِك من أَوْلِيَاء الله فَإِن الْقُلُوب لَهَا من التَّأْثِير أعظم مِمَّا للأبدان لَكِن إِن كَانَت صَالِحَة كَانَ تأثيرها صَالحا وَإِن كَانَت فَاسِدَة كَانَ تأثيرها فَاسِدا فالأحوال يكون تأثيرها محبوبا لله تَارَة ومكروها لله أُخْرَى وَقد تكلم الْفُقَهَاء على وجوب الْقود على من يقتل بِغَيْرِهِ فِي الْبَاطِن حَيْثُ يجب الْقود فِي ذَلِك ويستشهدون ببواطنهم وَقُلُوبهمْ الْأَمر الكوني ويعدون مُجَرّد خرق الْعَادة لأَحَدهم بكشف لَهُم أَو بتأثير يُوَافق إِرَادَته هُوَ كَرَامَة من الله لَهُ وَلَا يعلمُونَ أَنه فِي الْحَقِيقَة إهانة وَأَن الْكَرَامَة لُزُوم الاسْتقَامَة وَأَن الله لم يكرم عَبده بكرامة أعظم من مُوَافَقَته فِيمَا يُحِبهُ ويرضاه وَهُوَ طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وَهَؤُلَاء هم أَوْلِيَاء الله الَّذين قَالَ الله فيهم يُونُس أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ فَإِن كَانُوا موافقين لَهُ فِيمَا أوجبه عَلَيْهِم فهم من الْمُقْتَصِدِينَ وَإِن كَانُوا موافقين فِيمَا أوجبه وأحبه فهم من المقربين مَعَ أَن كل وَاجِب مَحْبُوب وَلَيْسَ كل مَحْبُوب وَاجِبا وَأما مَا يبتلى الله بِهِ عَبده من الشَّرّ بخرق الْعَادة أَو بغَيْرهَا أَو بالضراء فَلَيْسَ ذَلِك لأجل كَرَامَة العَبْد على ربه وَلَا هوانه عَلَيْهِ بل قد يسْعد بهَا أَقوام إِذا أطاعوه فِي ذَلِك وَقد يشقى بهَا قوم إِذا عصوه فِي ذَلِك قَالَ الله تَعَالَى الْفجْر فَأَما الْإِنْسَان إِذا مَا ابتلاه ربه فَأكْرمه ونعمه فَيَقُول رَبِّي أكرمن وَأما إِذا مَا ابتلاه فَقدر عَلَيْهِ رزقه فَيَقُول رَبِّي أهانن كلا وَلِهَذَا كَانَ النَّاس فِي هَذِه الْأُمُور على ثَلَاثَة اقسام قسم ترْتَفع درجاتهم بخرق الْعَادة إِذا استعملوها فِي الطَّاعَة وَقوم يتعرضون بهَا لعذاب الله إِذا استعملوها فِي مَعْصِيّة الله كبلعام وَغَيره وَقوم تكون فِي حَقهم بِمَنْزِلَة الْمُبَاحَات وَالْقسم الأول هم الْمُؤْمِنُونَ حَقًا المتبعون لنبيهم سيد ولد آدم الَّذِي إِنَّمَا كَانَت خوارقه لحجة يُقيم بهَا دين الله أَو لحَاجَة يَسْتَعِين بهَا على طَاعَة الله ولكثرة اللَّغط فِي هَذَا الأَصْل نهى رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) عَن الاسترسال

الصفحة 49