كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

الزمر قل أَفَرَأَيْتُم مَا تدعون من دون الله إِن أرادني الله بضر هَل هن كاشفات ضره إِلَى قَوْله قل حسبي الله عَلَيْهِ يتوكل المتوكلون وَقد ذكر الله هَذِه الْكَلِمَة حسبي الله فِي جلب الْمَنْفَعَة تَارَة وَفِي دفع الْمضرَّة أُخْرَى فَالْأولى قَوْله التَّوْبَة وَلَو أَنهم رَضوا مَا آتَاهُم الله وَرَسُوله وَقَالُوا حَسبنَا الله سيؤتينا الله من فَضله وَرَسُوله الْآيَة وَالثَّانيَِة قَوْله آل عمرَان الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل وَفِي قَوْله الْأَنْفَال وَإِن يُرِيدُوا أَن يخدعوك فَإِن حَسبك الله وَقَوله التَّوْبَة وَلَو أَنهم رَضوا مَا آتَاهُم الله وَرَسُوله وَقَالُوا حَسبنَا الله سيؤتينا الله من فَضله وَرَسُوله الْآيَة يتَضَمَّن الْأَمر بِالرِّضَا والتوكل وَالرِّضَا والتوكل يكتنفان الْمَقْدُور فالتوكل قبل وُقُوعه والرضاء بعد وُقُوعه وَلِهَذَا كَانَ النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يَقُول فِي الصَّلَاة اللَّهُمَّ بعلمك الْغَيْب وبقدرتك على الْخلق أحيني مَا علمت الْحَيَاة خيرا لي وتوفني إِذا كَانَت الْوَفَاة خيرا لي اللَّهُمَّ إِنِّي أَسَالَك خشيتك فِي الْغَيْب وَالشَّهَادَة وأسالك كلمة الْحق فِي الْغَضَب وَالرِّضَا وَأَسْأَلك الْقَصْد فِي الْفقر والغنى وأسالك نعيما لَا ينْفد وَأَسْأَلك قُرَّة عين لَا تَنْقَطِع اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الرضاء بعد الْقَضَاء وَأَسْأَلك برد الْعَيْش بعد الْمَوْت وَأَسْأَلك لَذَّة النّظر إِلَى وَجهك والشوق إِلَى لقائك من غير ضراء مضرَّة وَلَا فتْنَة مضلة اللَّهُمَّ زينا بزينة الْإِيمَان واجعلنا هداة مهتدين رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث عمار بن يَاسر وَأما مَا يكون قبل الْقَضَاء فَهُوَ عزم على الرِّضَا لَا حَقِيقَة للرضا وَلِهَذَا كَانَ طَائِفَة من الْمَشَايِخ يعزمون على الرِّضَا قبل وُقُوع الْبلَاء فَإِذا وَقع انفسحت عزائمهم كَمَا يَقع نَحْو ذَلِك فِي الصَّبْر وَغَيره كَمَا قَالَ تَعَالَى آل عمرَان وَلَقَد كُنْتُم تمنون الْمَوْت من قبل ان تلقوهُ فقد رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُم تنْظرُون وَقَالَ تَعَالَى الصَّفّ يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَالا تَفْعَلُونَ كبر مقتا عِنْد الله أَن تَقولُوا مَالا تَفْعَلُونَ إِن الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص نزلت هَذِه الاية لما قَالُوا لَو علمنَا أَي الْأَعْمَال احب إِلَى الله لعملناه فَأنْزل الله آيَة الْجِهَاد فكرهه من كرهه وَلِهَذَا كره للمرء أَن يتَعَرَّض للبلاء بِأَن يُوجب على نَفسه مَالا يُوجِبهُ الشَّارِع عَلَيْهِ بالعهد وَالنّذر وَنَحْو ذَلِك أَو يطْلب ولَايَة أَو يقدم على بلد فِيهِ طاعون كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من غير وَجه عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه نهى عَن النّذر وَقَالَ إِنَّه لَا يَأْتِي بِخَير وَإِنَّمَا يسْتَخْرج بِهِ من الْبَخِيل وَثَبت عَنهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه قَالَ لعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة

الصفحة 53