كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

لَا تسْأَل الْإِمَارَة فَإنَّك إِن أعطيتهَا عَن مَسْأَلَة وكلت إِلَيْهَا وَإِن أعطيتهَا من غير مَسْأَلَة أعنت عَلَيْهَا وَإِذا حَلَفت على يَمِين فَرَأَيْت غَيرهَا خيرا مِنْهَا فأت الَّذِي هُوَ خير وَكفر عَن يَمِينك وَثَبت عَنهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه قَالَ فِي الطَّاعُون إِذا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْض فَلَا تقدمُوا عَلَيْهِ وَإِذا وَقع بِأَرْض وَأَنْتُم بهَا فَلَا تخْرجُوا مِنْهَا وَثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه قَالَ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدو وأسالوا الله الْعَافِيَة وَلَكِن إِذا لقيتموهم فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَن الْجنَّة تَحت ظلال السيوف وأمثال ذَلِك مِمَّا يَقْتَضِي أَن الْإِنْسَان لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يسْعَى فِيمَا يُوجب عَلَيْهِ أَشْيَاء فيبخل بِالْوَفَاءِ كَمَا يفعل كثير مِمَّن يعاهد الله عهودا على أُمُور وغالب هَؤُلَاءِ يبتلون بِنَقْض العهود وَيَنْبَغِي أَن الْإِنْسَان إِذا ابتلى فَعَلَيهِ أَن يصبر وَيثبت وَلَا يكل حَتَّى يكون من الرِّجَال الْمُوفينَ القائمين بالواجبات وَلَا بُد فِي جَمِيع ذَلِك من الصَّبْر وَلِهَذَا كَانَ الصَّبْر وَاجِبا بِاتِّفَاق الْمُسلمين على أَدَاء الْوَاجِبَات وَترك الْمَحْظُورَات وَيدخل فِي ذَلِك الصَّبْر على المصائب عَن أَن يخرج وَالصَّبْر عَن ابْتَاعَ أهواء النَّفس فِيمَا نهى الله عَنهُ وَقد ذكر الله الصَّبْر فِي كِتَابه فِي اكثر من تسعين موضعا وقرنه بِالصَّلَاةِ فِي قَوْله الْبَقَرَة اسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة وَإِنَّهَا لكبيرة إِلَّا على الخاشعين الْبَقَرَة اسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة إِن الله مَعَ الصابرين وَقَوله هود وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل إِلَى قَوْله واصبر فَإِن الله لايضيع اجْرِ الْمُحْسِنِينَ طه فاصبر على مَا يَقُولُونَ وَسبح بِحَمْد رَبك قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا غَافِر فاصبر إِن وعد الله حق واستغفر لذنبك الْآيَة وَجعل الْإِمَامَة فِي الدّين موروثة عَن الصَّبْر وَالْيَقِين بقوله السَّجْدَة وجعلناهم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا لما صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يوقنون فَإِن الدّين كُله علم بِالْحَقِّ وَعمل بِهِ فَالْعَمَل بِهِ لَا بُد فِيهِ من الصَّبْر بل وَطلب علمه يحْتَاج إِلَى الصَّبْر كَمَا قَالَ معَاذ بن جبل علكيم بِالْعلمِ فَإِن طلبه لله عبَادَة ومعرفته خشيَة والبحث عَنهُ جِهَاد وتعليمه لمن لَا يُعلمهُ صَدَقَة ومذاكرته تَسْبِيح بِهِ يعرف الله ويعبد بِهِ يمجد ويوحد يرفع الله بِالْعلمِ أقوما يجعلهم للنَّاس قادة وأئمة يَهْتَدُونَ بهم وينتهون إِلَى رَأْيهمْ فَجعل الْبَحْث عَن الْعلم من الْجِهَاد وَلَا بُد فِي الْجِهَاد من الصَّبْر وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى وَالْعصر إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ وَقَالَ تَعَالَى ص وَاذْكُر عبادنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أولي الْأَيْدِي والأبصار فالعلم النافع ع هُوَ أصل الْهدى وَالْعَمَل بِالْحَقِّ هُوَ

الصفحة 54