كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

لَا يرضاها وَلَا يُحِبهَا وَإِن كَانَ قدرهَا وقضاها كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ الْبَقَرَة وَالله لَا يحب الْفساد وَقَالَ تَعَالَى الزمر وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر بل يسخطه كَمَا قَالَ تَعَالَى مُحَمَّد ذَلِك بِأَنَّهُم اتبعُوا مَا أَسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أَعْمَالهم وَقَالَت طَائِفَة ترْضى من جِهَة كَونهَا مُضَافَة إِلَى الله خلقا وتسخط من جِهَة كَونهَا مُضَافَة إِلَى العَبْد فعلا وكسبا وَهَذَا لَا يُنَافِي الَّذِي قبله بل هما يعودان إِلَى أصل وَاحِد وَهُوَ سُبْحَانَهُ قدر الْأَشْيَاء لحكمة فَهِيَ لاعْتِبَار تِلْكَ الْحِكْمَة محبوبة مرضية وَقد تكون فِي نَفسهَا مَكْرُوهَة ومسخوطة إِذْ الشَّيْء الْوَاحِد يجْتَمع فِيهِ وصفان يحب من أَحدهمَا وَيكرهُ من الآخر كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح مَا ترددت عَن شَيْء أَنا فَاعله ترددي عَن قبض نفس عَبدِي الْمُؤمن يكره الْمَوْت وأكره مساءته وَلَا بُد لَهُ مِنْهُ وَأما من قَالَ بِالرِّضَا بِالْقضَاءِ الَّذِي هُوَ وصف الله وَفعله لَا بالمقضي الَّذِي هُوَ مفعلوه فَهُوَ خُرُوج مِنْهُ عَن مَقْصُود الْكَلَام فَإِن الْكَلَام لَيْسَ بالرضاء فِيمَا يقوم بِذَات الرب تَعَالَى من صِفَاته وأفعاله وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي الرضاء بمفعولاته وَالْكَلَام فِيمَا يتَعَلَّق بِهَذَا قد بَيناهُ فِي غير هَذَا الْموضع والرضاء وَإِن كَانَ من أَعمال الْقُلُوب فكماله هُوَ الْحَمد حَتَّى إِن بَعضهم فسر الْحَمد بالرضاء وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْكتاب وَالسّنة حمد الله على كل حَال وَذَلِكَ يتَضَمَّن بمقضياته وَفِي الحَدِيث أول من يدعى إِلَى الْجنَّة الْحَمَّادُونَ الَّذين يحْمَدُونَ الله فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وروى عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه كَانَ إِذا أَتَاهُ الْأَمر يسره قَالَ الْحَمد لله الَّذِي بنعمته تتمّ الصَّالِحَات وَإِذا أَتَاهُ الْأَمر الَّذِي يسؤوه قَالَ الْحَمد لله على كل حَال وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ إِذا قبض ولد العَبْد يَقُول الله لملائكته أَقَبَضْتُم ولد عَبدِي فَيَقُولُونَ نعم فَيَقُول أَقَبَضْتُم ثَمَرَة فُؤَاده فَيَقُولُونَ نعم فَيَقُول مَاذَا قَالَ فَيَقُولُونَ حمدك واسترجعك فَيَقُول ابْنُوا لعبدي بَيْتا فِي الْجنَّة وسموه بَيت الْحَمد وَنَبِينَا (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) هُوَ صَاحب لِوَاء الْحَمد وَأمته هم الْحَمَّادُونَ الَّذين يحْمَدُونَ الله على السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالرِّضَا وَالْحَمْد على الضراء يُوجِبهُ شَاهِدَانِ أَحدهمَا علم العَبْد بِأَن الله سُبْحَانَهُ مستوجب لذَلِك مُسْتَحقّ لَهُ لنَفسِهِ فَإِنَّهُ احسن كل شَيْء خلقه وأتقن كل شَيْء وَهُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم الْخَبِير الرَّحِيم وَالثَّانِي علمه بِأَن اخْتِيَار الله لعَبْدِهِ الْمُؤمن خير من اخْتِيَاره لنَفسِهِ كَمَا روى مُسلم فِي صَحِيحه وَغَيره عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يقْضِي الله لِلْمُؤمنِ قَضَاء إِلَّا كَانَ خيرا لَهُ

الصفحة 56