كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

لَيْسَ ذَلِك إِلَّا لِلْمُؤمنِ إِن اصبته سراء شكر فَكَانَ خيرا لَهُ وَإِن أَصَابَته ضراء فَصَبر كَانَ خيرا لَهُ فَأخْبر النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَن كل قَضَاء يَقْضِيه الله لِلْمُؤمنِ الَّذِي يصبر على الْبلَاء ويشكر على السَّرَّاء فَهُوَ خير لَهُ قَالَ تَعَالَى إِن فِي ذَلِك لايات لكل صبار شكور وَذكرهَا فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع من كِتَابَة إِبْرَاهِيم لُقْمَان سبأ الشورى فَأَما من لَا يصبر على الْبلَاء وَلَا يشْكر على الرخَاء فَلَا يلْزم أَن يكون الْقَضَاء خيرا لَهُ وَلِهَذَا أجبْت من أورد على هَذَا بِمَا يقْضى على الْمُؤمن من الْمعاصِي بجوابين أَحدهمَا أَن هَذَا إِنَّمَا يتَنَاوَل مَا اصاب العَبْد لَا مَا فعله العَبْد كَمَا فِي قَوْله النِّسَاء مَا أَصَابَك من حَسَنَة فَمن الله أَي من سراء وَمَا أَصَابَك من سَيِّئَة فَمن نَفسك أَي من ضراء وَكَقَوْلِه الْأَعْرَاف وبلوناهم بِالْحَسَنَاتِ والسيئات لَعَلَّهُم يرجعُونَ أَي بالسراء وَالضَّرَّاء كَمَا قَالَ الْأَنْبِيَاء ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة وَقَالَ آل عمرَان إِن تمسسكم حَسَنَة تسؤهم وَإِن تصبكم سَيِّئَة يفرحوا بهَا يُرَاد بهَا المسار والمضار وَيُرَاد بهَا الطَّاعَات والمعاصي وَالْجَوَاب الثَّانِي أَن هَذَا فِي حق الْمُؤمن الصبار الشكُور والذنُوب تنقص الْإِيمَان فَإِذا تَابَ العَبْد أحبه الله وَقد ترْتَفع دَرَجَته بِالتَّوْبَةِ قَالَ بعض السّلف كَانَ دَاوُد بعد التَّوْبَة خيرا مِنْهُ قبل الْخَطِيئَة فَمن قضى لَهُ بِالتَّوْبَةِ كَانَ كَمَا قَالَ سعيد ابْن جُبَير إِن العَبْد ليعْمَل الْحَسَنَة فَيدْخل بهَا النَّار وَإِن العَبْد ليعْمَل السَّيئَة فَيدْخل بهَا الْجنَّة وَذَلِكَ أَنه يعْمل الْحَسَنَة فَتكون نصب عينة ويعجب بهَا وَيعْمل السَّيئَة فَتكون نصب عينة فيستغفر الله وَيَتُوب إِلَيْهِ مِنْهَا وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه قَالَ الْأَعْمَال بالخواتيم وَالْمُؤمن إِذا فعل سَيِّئَة فَإِن عُقُوبَته تنْدَفع عَنهُ بِعشْرَة أَسبَاب أَن يَتُوب فيتوب الله عَلَيْهِ فَإِن التائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ أَو يسْتَغْفر فَيغْفر لَهُ أَو يعْمل حَسَنَات تمحوها فَإِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات أَو يَدْعُو لَهُ إخوانه الْمُؤْمِنُونَ ويشفعون لَهُ حَيا وَمَيتًا أَو يهْدُونَ لَهُ من ثَوَاب أَعْمَالهم لينفعه الله بِهِ أَو يشفع فِيهِ نبيه مُحَمَّد (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَو يَبْتَلِيه الله فِي الدُّنْيَا بمصائب تكفر عَنهُ أَو يَبْتَلِيه فِي البرزخ والصعقة فيكفر بهَا عَنهُ أَو يَبْتَلِيه فِي عرصات الْقِيَامَة من أهوالها بِمَا يكفر عَنهُ أَو يرحمه أرْحم الرَّاحِمِينَ فَمن أخطأته هَذِه الْعشْرَة فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيمَا يرْوى عَنهُ رَسُوله يَا عبَادي إِنَّمَا هِيَ أَعمالكُم احصيها لكم ثمَّ أوفيكم إِيَّاهَا فَمن وجد خيرا فليحمد الله وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه فَإِن كَانَ الْمُؤمن يعلم أَن الْقَضَاء خير إِذا كَانَ صَابِرًا شكُورًا

الصفحة 57