كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

وَكَانَ قد استخار الله وَعلم أَن من سَعَادَة ابْن آدم استخارته لله وَرضَاهُ بِمَا قسم لَهُ كَانَ قد رضى بِمَا هُوَ خير لَهُ وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح عَن عَليّ قَالَ إِن الله يقْضِي بِالْقضَاءِ فَمن رضى فَلهُ الرِّضَا وَمن سخط فَلهُ السخط فَفِي هَذَا الحَدِيث الرِّضَا والاستخارة فالرضا بعد الْقَضَاء والاستخارة قبل الْقَضَاء وَهَذَا اكمل من الرِّضَا وَالصَّبْر فَلهَذَا ذكر فِي ذَاك الرِّضَا وَفِي هَذَا الصَّبْر ثمَّ إِذا كَانَ الْقَضَاء مَعَ الصَّبْر خيرا لَهُ فَكيف مَعَ الرِّضَا وَلِهَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب فالأثر الَّذِي رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي مُسْنده أَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لما مَاتَ سمعُوا قَائِلا يَقُول يَا آل بَيت رَسُول الله إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة وخلفا من كل هَالك ودركا من كل فَائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فَإِن الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب وَلِهَذَا لم نؤمر بالحزن الْمنَافِي للرضا قطّ مَعَ أَنه لَا فَائِدَة فِيهِ فقد يكون مضرَّة لكنه يُعْفَى عَنهُ إِذا لم يقْتَرن بِهِ مَا يكرههُ الله لَكِن الْبكاء على الْمَيِّت على وَجه الرَّحْمَة حسن مُسْتَحبّ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الرِّضَا يخلاف الْبكاء عَلَيْهِ لفَوَات حَظه مِنْهُ وَبِهَذَا تعرف معنى قَول النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لما بَكَى على الْمَيِّت وَقَالَ إِن هَذِه رَحْمَة جعلهَا الله فِي قُلُوب عباده وَإِنَّمَا يرحم الله من عباده الرُّحَمَاء وَأَن هَذَا لَيْسَ كبكاء من يبكي لحظه لَا لرحمة الْمَيِّت وَأَن الفضيل بن عِيَاض لما مَاتَ ابْنه على فَضَحِك وَقَالَ رَأَيْت أَن الله قضى فَأَحْبَبْت أَن أرْضى بِمَا قضى الله بِهِ حَاله حَال حسن بِالنِّسْبَةِ إِلَى أهل الْجزع وَأما رَحْمَة الْمَيِّت مَعَ الرِّضَا بِالْقضَاءِ وَحمد الله كَحال النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَهَذَا أكمل قَالَ تَعَالَى الْبَلَد ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ وَتَوَاصَوْا بالمرحمة فَذكر سُبْحَانَهُ التواصي بِالصبرِ وَالرَّحْمَة وَالنَّاس أَرْبَعَة اقسام مِنْهُم من يكون فِيهِ صَبر بقسوة وَمِنْهُم من يكون فِيهِ رَحْمَة بجزع وَمِنْهُم من يكون فِيهِ الْقَسْوَة والجزع وَالْمُؤمن الْمَحْمُود الَّذِي يصبر على مَا يُصِيبهُ وَيرْحَم النَّاس وَقد فطن طَائِفَة من المصنفين فِي هَذَا الْبَاب أَن الرِّضَا عَن الله من تَوَابِع الْمحبَّة لَهُ وَهَذَا إِنَّمَا يتَوَجَّه على المأخذ الأول وَهُوَ الرِّضَا عَنهُ لاستحقاقه ذَلِك بِنَفسِهِ مَعَ قطع العَبْد النّظر عَن حَظه بِخِلَاف المأخذ الثَّانِي وَهُوَ الرِّضَا لعلمه بِأَن الْمقْضِي خير لَهُ ثمَّ إِن الْمحبَّة مُتَعَلقَة بِهِ وَالرِّضَا مُتَعَلق بِقَضَائِهِ لَكِن قد يُقَال فِي تَقْرِير مَا قَالَ هَذَا المُصَنّف وَنَحْوه إِن الْمحبَّة لله نَوْعَانِ محبَّة لَهُ نَفسه ومحبة لما مِنْهُم من الاحسان وَكَذَلِكَ الْحَمد لَهُ نَوْعَانِ حمد لله على مَا يسْتَحقّهُ بِنَفسِهِ وَحمد على إحسانه لعَبْدِهِ فالنوعان للرضا كالنوعين للمحبة وَأما الرِّضَا بِهِ وبدينه وبرسوله فَذَلِك من

الصفحة 58