كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

حَظّ الْمحبَّة وَلِهَذَا ذكر عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه قَالَ ذاق طعم الْإِيمَان من رَضِي بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه قَالَ ثَلَاث من كن فِيهِ وجد حلاوة الْإِيمَان أَن يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا وَمن كَانَ يحب الْمَرْء لَا يُحِبهُ إِلَّا لله وَمن كَانَ يكره أَن يرجع إِلَى الْكفْر بعد إِذْ انقذه الله مِنْهُ كَمَا يكره أَن يلقى فِي النَّار وَهَذَا مِمَّا يبين من الْكَلَام على الْمحبَّة فَنَقُول فصل محبَّة الله وَرَسُوله من أعظم وَاجِبَات الايمان وأكبر أوصله وَأجل قَوَاعِده بل هِيَ أصل كل عمل من أَعمال الْإِيمَان وَالدّين كَمَا أَن التَّصْدِيق أصل كل قَول من أَقْوَال الْإِيمَان وَالدّين فَإِن كل حَرَكَة فِي الْوُجُود إِنَّمَا تصدر عَن محبَّة إِمَّا عَن محبَّة محمودة أَو عَن محبَّة مذمومة كَمَا قد بسطنا ذَلِك فِي قَاعِدَة الْمحبَّة من الْقَوَاعِد الْكِبَار فَجَمِيع الْأَعْمَال الايمانية الدِّينِيَّة لَا تصدر إِلَّا عَن الْمحبَّة المحمودة وأصل الْمحبَّة المحمودة هِيَ محبَّة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِذْ الْعَمَل الصَّادِر عَن محبَّة مذمومة عِنْد الله لَا يكون عملا صَالحا بل جَمِيع الْأَعْمَال الإيمانية الدِّينِيَّة لَا تصدر إِلَّا عَن محبَّة الله فَإِن الله تَعَالَى لَا يقبل من الْعَمَل إِلَّا مَا أُرِيد بِهِ وَجهه كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه قَالَ يَقُول الله تَعَالَى أَنا أغْنى الشُّرَكَاء عَن الشّرك فَمن عمل عملا فأشرك فِيهِ غَيْرِي فَأَنا مِنْهُ برِئ وَهُوَ كُله للَّذي أشرك وَثَبت فِي الصَّحِيح حَدِيث الثَّلَاثَة الَّذين هم اول من تسعر بهم النَّار الْقَارئ الْمرَائِي والمجاهد الْمرَائِي والمتصدق الْمرَائِي بل إخلاص الدّين لله هُوَ الدّين الَّذِي لَا يقبل الله سواهُ فَهُوَ الَّذِي بعث بِهِ الْأَوَّلين والآخرين من الرُّسُل وَانْزِلْ بِهِ جَمِيع الْكتب وَاتفقَ عَلَيْهِ أَئِمَّة أهل الْإِيمَان وَهَذَا هُوَ خُلَاصَة الدعْوَة النَّبَوِيَّة وَهُوَ قطب الْقُرْآن الَّذِي تَدور عَلَيْهِ رحاه قَالَ تَعَالَى أول الزمر وَأول غَافِر وَأول الجاثية وَأول الحقاف تَنْزِيل الْكتاب من الله الْعَزِيز الْحَكِيم أول الزمر إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ فاعبد الله مخلصا لَهُ الدّين أَلا لله الدّين الْخَالِص وَالسورَة كلهَا عَمَّتهَا فِي هَذَا الْمَعْنى من قَوْله الزمر قل إِنِّي أمرت أَن أعبد الله مخلصا لَهُ الدّين وَأمرت لِأَن أكون أول الْمُسلمين إِلَى قَوْله الزمر قل الله أعبد مخلصا لَهُ ديني إِلَى قَوْله أَلَيْسَ الله بكاف عَبده ويخوفونك بالذين من دونه

الصفحة 59