كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين وَقد قَالَ النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْيَهُود مغضوب عَلَيْهِم وَالنَّصَارَى ضالون وَفِي هَذ الْأمة من هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء كَمَا قَالَ النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لتتبعن سنَن من كَانَ قبلكُمْ حَذْو القذة بالقذة حَتَّى لَو دخلُوا جُحر ضَب لدخلتموه قَالُوا يَا رَسُول الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى قَالَ فَمن والْحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ فَإِذا كَانَ أصل الْعَمَل الديني هُوَ إخلاص الدّين لله وَحده فالشيء المُرَاد لنَفسِهِ هُوَ المحبوب لذاته وَهَذَا كَمَال الْمحبَّة لَكِن أَكثر مَا جَاءَ الْمَطْلُوب مُسَمّى باسم الْعِبَادَة كَقَوْلِه الذاريات وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون وَقَوله الْبَقَرَة يَا أَيهَا النَّاس اعبدوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ وأمثال هَذَا وَالْعِبَادَة تَتَضَمَّن كَمَال الْحبّ ونهايته وَكَمَال الذل ونهايته فالمحبوب الَّذِي لَا يعظم وَلَا يذل لَهُ لَا يكون معبودا والمعظم الَّذِي لَا يحب لَا يكون معبودا وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى الْبَقَرَة وَمن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وَالَّذين آمنُوا أَشد حبا لله فَبين سُبْحَانَهُ ان الْمُشْركين الَّذين يتخذون من دون ألله أندادا وَإِن كَانُوا يحبونهم كَمَا يحبونَ الله فَالَّذِينَ آمنُوا أَشد حبا لله مِنْهُم لله ولأوثانهم لِأَن الْمُؤمنِينَ أعلم بِاللَّه وَالْحب يتبع الْعلم وَلِأَن الْمُؤمنِينَ جعلُوا جَمِيع حبهم لله وَحده وَأُولَئِكَ جعلُوا بعض حبهم لَهُ وأشركوا بَينه وَبَين الأنداد فِي الْحبّ وَمَعْلُوم أَن ذَلِك افضل قَالَ الله تَعَالَى الزمر ضرب الله مثلا رجلا فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هَل يستويان مثلا الْآيَة وَاسم الْمحبَّة فِيهِ إِطْلَاق وَعُمُوم فَإِن الْمُؤمن يحب الله وَيُحب رسله وأنبياءه وعباده الْمُؤمنِينَ وَإِن كَانَ ذَلِك من محبَّة الله وَإِن كَانَت الْمحبَّة الَّتِي لله لَا يَسْتَحِقهَا غَيره فَلهَذَا جَاءَت محبَّة الله مَذْكُورَة بِمَا يخْتَص بِهِ سُبْحَانَهُ من الْعِبَادَة والإنابة إِلَيْهِ والتبتل لَهُ وَنَحْو ذَلِك فَكل هَذِه الْأَسْمَاء تَتَضَمَّن محبَّة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثمَّ إِنَّه كَانَ بَين أَن محبته أصل الدّين فقد بَين أَن كَمَال الدّين بكمالها ونقصه بنقصها فَإِن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ رَأس الْأَمر الْإِسْلَام وعموده الصَّلَاة وذروة سنامه الْجِهَاد فِي سَبِيل الله فَأخْبر أَن الْجِهَاد ذورة سَنَام الْعَمَل وَهُوَ أَعْلَاهُ وأشرفه وَقد قَالَ تَعَالَى التَّوْبَة أجعلتم سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام كمن آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وجاهد فِي سَبِيل الله لَا يستوون عِنْد الله إِلَى قَوْله أجر عَظِيم والنصوص فِي فَضَائِل الْجِهَاد وَأَهله كَثِيرَة وَقد ثَبت أَنه أفضل مَا تطوع بِهِ العَبْد وَالْجهَاد دَلِيل الْمحبَّة الْكَامِلَة قَالَ تَعَالَى التَّوْبَة قل إِن كَانَ آباؤكم وَإِخْوَانكُمْ وأزواجكم وعشيرتكم الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى فِي صفة المحبين المحبوبين

الصفحة 63