كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

عَن نَفسه وحبه ويغيب بمذكوره عَن ذكره وبمعروفه عَن مَعْرفَته وبموجوده عَن وجوده حَتَّى لَا يشْهد إِلَّا محبوبه فيظن فِي زَوَال تَمْيِيزه وَنقص عقله وسكره أَنه هُوَ محبوبه كَمَا قيل إِن محبوبا وَقع فِي اليم فَألْقى الْمُحب نَفسه خَلفه فَقَالَ أَنا وَقعت فَأَنت مَا الَّذِي أوقعك فَقَالَ غبت بك عني فَظَنَنْت أَنَّك أَنا فَلَا ريب أَن هَذَا خطأ وضلال لَكِن إِن كَانَ هَذَا لِقَاء الْمحبَّة وَالذكر من غير أَن يحصل عَن سَبَب مَحْظُور زَالَ بِهِ عقله كَانَ مَعْذُورًا فِي زَوَاله فَلَا يكون مؤاخذا بِمَا يصدر مِنْهُ من الْكَلَام فِي هَذِه الْحَال الَّتِي زَالَ فِيهَا عقله بِغَيْر سَبَب مَحْظُور كَمَا قيل فِي عقلاء المجانين أَنهم قوم آتَاهُم الله عقولا وأحوالا فسلب عُقُولهمْ وَأبقى أَحْوَالهم وَأسْقط مَا فرض بِمَا سلب وَأما إِذا كَانَ السَّبَب الَّذِي بِهِ زَوَال الْعقل مَحْظُورًا لم يكن السَّكْرَان مَعْذُورًا وَإِن كَانَ لَا يحكم بِكُفْرِهِ فِي اصح الْقَوْلَيْنِ كَمَا لَا يَقع طَلَاقه فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَإِن كَانَ النزاع فِيهِ مَشْهُورا وَقد بسطنا الْكَلَام فِي هَذَا وفيمن يسلم لَهُ حَاله وَمن لَا يسلم فِي قَاعِدَة ذَلِك وَبِكُل حَال فالفناء الَّذِي يُفْضِي بِصَاحِبِهِ إِلَى مثل هَذَا حَال نقاص وَإِن كَانَ صَاحبه غير مُكَلّف وَلِهَذَا لم يرد مثل هَذَا عَن الصَّحَابَة الَّذين هم افضل الْأمة وَلَا عَن نَبينَا مُحَمَّد (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَإِن كَانَ لهَؤُلَاء فِي صعق مُوسَى نوع تعلق وَإِنَّمَا حدث زَوَال الْعقل عِنْد الواردات الإلهية على بعض التَّابِعين وَمن بعدهمْ وَإِن كَانَت الْمحبَّة التَّامَّة مستلزمة لموافقة المحبوب فِي محبوبه ومكروهه وولايته وعداوته فَمن الْمَعْلُوم أَن من أحب الله الْمحبَّة الْوَاجِبَة فَلَا بُد أَن يبغض أعداءه وَلَا بُد أَن يحب مَا يُحِبهُ من جهادهم كَمَا قَالَ تَعَالَى الصَّفّ إِن الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص والمحب التَّام لَا يُؤثر فِيهِ لوم اللائم وعذل العاذل بل ذَلِك يغريه بملازمة الْمحبَّة كَمَا قد اكثر الشُّعَرَاء فِي ذَلِك وَهَؤُلَاء هم أهل الملام الْمَحْمُود وهم الَّذين لَا يخَافُونَ من يلومهم على مَا يحب الله ويرضاه من جِهَاد أعدائه فَإِن الملام على ذَلِك كثير وَأما الملام على فعل مَا يكرههُ الله أَو ترك مَا أحبه فَهُوَ لوم بِحَق وَلَيْسَ من ذَلِك الْمَحْمُود الصَّبْر على هَذَا الملام بل الرُّجُوع إِلَى الْحق خير من التَّمَادِي فِي الْبَاطِل وَبِهَذَا يحصل الْفرق بَين الملامية الَّذين يَفْعَلُونَ مَا يُحِبهُ الله وَرَسُوله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم فِي ذَلِك وَبَين الملامية الَّذين يَفْعَلُونَ مَا يبغضه الله وَرَسُوله ويصبرون على الملام فِي ذَلِك

الصفحة 65