كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ أَي هُوَ لم يَعْصِهِ وَلَو لم يخفه فَإِن إجلاله وإكرامه لله يمنعهُ من مَعْصِيَته والراجي الْخَائِف إِذا تعلق خَوفه ورجاؤه بالتعذب باحتجاب الرب عَنهُ والتنعم بتجلية فمعلوم أَن هَذَا من تَوَابِع محبته لَهُ فالمحبة هِيَ أوجبت محبَّة التجلي وَالْخَوْف من الاحتجاب وَإِن تعلق خَوفه ورجاؤه بالتعذب بمخلوق والتنعم بِهِ فَهَذَا إِنَّمَا يطْلب ذَلِك بِعبَادة الله المستلزمة محبته لله وَهِي أحلى من كل محبَّة وَلِهَذَا يكون اشْتِغَال أهل الْجنَّة بذلك أعظم من كل شَيْء كَمَا فِي الحَدِيث إِن اهل الْجنَّة يُلْهمُون التَّسْبِيح كَمَا تلهمون وَهُوَ يبين غَايَة تنعمهم بِذكر الله ومحبته فالخوف من التعذب بمخلوق والرجاء لَهُ يَسُوقهُ إِلَى محبَّة الله الَّتِي هِيَ الأَصْل وَهَذَا كُله يَنْبَنِي على أصل الْمحبَّة فَيُقَال قد نطق الْكتاب وَالسّنة بمحبة الْعباد الْمُؤمنِينَ لله كَمَا فِي قَوْله الْبَقَرَة وَالَّذين آمنُوا أَشد حبا لله وَقَوله الْمَائِدَة يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وَقَوله التَّوْبَة أحب إِلَيْكُم من الله وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبيله وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه قَالَ ثَلَاث من كن فِيهِ وجد حلاوة الايمان أَن يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا وَأَن يحب الْمَرْء لَا يُحِبهُ إِلَّا لله وَأَن يكره أَن يرجع فِي الْكفْر بعد إِذْ أنقذه الله مِنْهُ كَمَا يكره أَن يلقى فِي النَّار بل محبَّة رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَجَبت لمحبة الله كَمَا فِي قَوْله التَّوْبَة أحب إِلَيْكُم من الله وَرَسُوله وكما فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من وَلَده ووالده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ وَالله يَا رَسُول الله لأَنْت أحب إِلَيّ من كل شَيْء إِلَّا من نَفسِي فَقَالَ لَا يَا عمر حَتَّى أكون أحب إِلَيْك من نَفسك فَقَالَ وَالله لأَنْت أحب إِلَيّ من نَفسِي وَكَذَلِكَ محبَّة صحابته وقرابته كَمَا فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه قَالَ آيَة الْإِيمَان حب الْأَنْصَار وَآيَة النِّفَاق بغض الْأَنْصَار وَقَالَ لَا يبغض الْأَنْصَار رجل يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِنَّه لعهد النَّبِي الْأُمِّي إِلَيّ أَنه لَا يحبني إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضني إِلَّا مُنَافِق وَفِي السّنَن أَنه قَالَ للْعَبَّاس وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يحبونكم لله ولقرابتي يَعْنِي بني هَاشم وَقد روى حَدِيث عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا أَنه قَالَ أَحبُّوا الله لما يغذوكم بِهِ من نعمه وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بَيْتِي لأجلي وَأما محبَّة الرب لعَبْدِهِ فَقَالَ تَعَالَى النساءواتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَقَالَ تَعَالَى الْمَائِدَة يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وَقَالَ الْبَقَرَة وأحسنوا إِن الله يحب الْمُحْسِنِينَ الحجرات وأقسطوا إِن الله يحب المقسطين

الصفحة 67