كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

التَّوْبَة فَأتمُّوا إِلَيْهِم عَهدهم إِلَى مدتهم إِن الله يحب الْمُتَّقِينَ التَّوْبَة فَمَا استقاموا لكم فاستقيموا لَهُم إِن الله يحب الْمُتَّقِينَ الصَّفّ إِن الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص آل عمرَان بلَى من أوفى بعهده وَأتقى فَإِن الله يحب الْمُتَّقِينَ وَأما الْأَعْمَال الَّتِي يُحِبهَا الله من الْوَاجِبَات والمستحبات الظَّاهِرَة والباطنة فكثيرة مَعْرُوفَة وَكَذَلِكَ حبه لأَهْلهَا وهم الْمُؤْمِنُونَ أَوْلِيَاء الله المتقون وَهَذِه الْمحبَّة حق كَمَا نطق بهَا الْكتاب وَالسّنة وَالَّذِي عَلَيْهِ سلف الْأمة وأئمتها وَأهل السّنة والْحَدِيث وَجَمِيع مَشَايِخ الدّين وأئمة التصوف أَن الله مَحْبُوب لذاته محبَّة حَقِيقَة بل هِيَ أكمل محبَّة فَإِنَّهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى الْبَقَرَة وَالَّذين آمنُوا أَشد حبا لله وَكَذَلِكَ هُوَ سُبْحَانَهُ يحب مَا يحب عباده الْمُؤْمِنُونَ وَمَا هُوَ فِي الله محبَّة حَقِيقِيَّة وَأنكر الْجَهْمِية حَقِيقَة الْمحبَّة من الطَّرفَيْنِ زعما مِنْهُم أَن الْمحبَّة لَا تكون إِلَّا لمناسبة بَين الْمُحب والمحبوب وَأَنه لَا مُنَاسبَة بَين الْقَدِيم والمحدث توجب محبته وقاسوا بِهِ الْمحبَّة وَكَانَ أول من أحدث هَذَا فِي الْإِسْلَام الْجَعْد بن دِرْهَم فِي أَوَائِل الْمِائَة الثَّانِيَة فضحى بِهِ خَالِد ابْن عبد الله الْقَسرِي أَمِير الْعرَاق والمشرق بواسط خطب النَّاس يَوْم الْأَضْحَى فَقَالَ أَيهَا النَّاس ضحوا يقبل الله ضَحَايَاكُمْ فَإِنِّي مضح بالجعد بن دِرْهَم أَنه زعم أَن الله لم يتَّخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَلم يكلم مُوسَى تكليما ثمَّ نزل فذبحه فَكَأَنَّهُ قد أَخذ هَذَا الْمَذْهَب عَنهُ الجهم بن صَفْوَان فأظهره عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ أضيف قَول الْجَهْمِية فَقتله سلم ابْن أحوز أَمِير خُرَاسَان بهَا ثمَّ نقل ذَلِك إِلَى الْمُعْتَزلَة أَتبَاع عَمْرو ابْن عبيد وَأظْهر قَوْلهم فِي زمن الْخَلِيفَة الْمَأْمُون حَتَّى امتحن أَئِمَّة الْإِسْلَام ودعوا إِلَى الْمُوَافقَة لَهُم عَن ذَلِك وأصل هَذَا مَأْخُوذ عَن الْمُشْركين والصابئة من البراهمة والمتفسلفة ومبتدعة أهل الْكتاب الَّذين يَزْعمُونَ أَن الرب لَيْسَ لَهُ صِفَات ثبوتية أصلا وَهَؤُلَاء هم أَعدَاء إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وهم يعْبدُونَ الْكَوَاكِب ويبنون الهياكل للعقول والنجوم وَغَيرهمَا وهم يُنكرُونَ فِي الْحَقِيقَة أَن يكون إِبْرَاهِيم خَلِيلًا ومُوسَى كليما وَأَن الْخلَّة هِيَ كَمَال الْمحبَّة المستغرقة للحب كَمَا قيل قد تخللت مَسْلَك الرّوح مني وبذا سمى الْخَلِيل خَلِيلًا وَيشْهد لهَذَا مَا ثَبت فِي الصَّحِيح عَن أبي سعيد عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه قَالَ لَو كنت متخذا من أهل الأَرْض خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلَكِن صَاحبكُم

الصفحة 68