كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

على الْعَام وَكِلَاهُمَا على خلاف ظَاهر الْكَلَام الَّذِي لَا يجوز الْمصير إِلَيْهِ إِلَّا بِدلَالَة تبين المُرَاد وكما أَن محبته لَا يجوز أَن تفسر بِمُجَرَّد محبَّة رَسُوله فَكَذَلِك لَا يجوز تَفْسِيرهَا بِمُجَرَّد محبَّة الْعَمَل وَإِن كَانَت محبته تَسْتَلْزِم محبَّة رَسُوله ومحبة الْعَمَل لَهُ وَأَيْضًا فالتعبير بمحبة الشَّيْء عَن مُجَرّد محبَّة طَاعَته لَا عَن محبَّة نَفسه أَمر لَا يعرف فِي اللُّغَة لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا فَحمل الْكَلَام عَلَيْهِ تَحْرِيف مَحْض وَقد قَررنَا فِي مَوَاضِع من الْقَوَاعِد الْكِبَار أَنه لَا يجوز أَن يكون غير الله محبوبا مرَادا لذاته كَمَا لَا يجوز أَن يكون غير الله مَوْجُودا بِذَاتِهِ بل لَا رب إِلَّا الله وَلَا إِلَه غَيره والإله هُوَ المعبود الَّذِي يسْتَحق أَن يحب لذاته ويعظم لذاته كَمَال الْمحبَّة والتعظيم وكل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ فطر الْقُلُوب على أَنه لَيْسَ فِي محبوباتها ومراداتها مَا تطمئِن إِلَيْهِ إِلَّا الله وَحده وَإِن كل مَا أحبه المحبوب من مطعوم وملبوس ومنظور وملموس يجد من نَفسه وَإِن قلبه يطْلب شَيْئا سواهُ وَيُحب أمرا غَيره يتألهه ويصمد إِلَيْهِ ويطمئن إِلَيْهِ وَيرى مَا يُشبههُ من هَذِه الاجناس وَلِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه الرَّعْد أَلا بِذكر الله تطمئِن الْقُلُوب وَفِي الصَّحِيح عَن عِيَاض بن حمَار عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) عَن الله قَالَ إِنِّي خلقت عبَادي حنفَاء فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِين وَحرمت عَلَيْهِم مَا احللت لَهُم وأمرتهم ان يشركوا بِي مَا لم أنزل بِهِ سُلْطَانا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَنه قَالَ كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ويمجسانه كَمَا نتنتج الْبَهِيمَة بَهِيمَة جَمْعَاء هَل تُحِسُّونَ فِيهَا من جَدْعَاء ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة اقْرَءُوا إِن شِئْتُم الرّوم فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تبيدل لخلق الله ذَلِك الدّين الْقيم وَأَيْضًا فَكل مَا فطرت الْقُلُوب على محبته من نعوت الْكَمَال فَالله هُوَ الْمُسْتَحق لَهُ على الْكَمَال وكل مَا فِي غَيره من مَحْبُوب فَهُوَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَهُوَ الْمُسْتَحق لِأَن يحب على الْحَقِيقَة والكمال وإنكار محبَّة العَبْد لرَبه هُوَ فِي الْحَقِيقَة إِنْكَار لكَونه إِلَهًا معبودا كَمَا أَن إِنْكَار محبته لعَبْدِهِ يسْتَلْزم إِنْكَار مَشِيئَته وَهُوَ يسْتَلْزم إِنْكَار كَونه رَبًّا خَالِقًا فَصَارَ إنكارها مستلزما لإنكار كَونه رب الْعَالمين ولكونه إِلَه الْعَالمين وَهَذَا هُوَ قَول أهل التعطيل والجحود وَلِهَذَا اتّفقت الأمتان قبلنَا على مَا عِنْدهم من مأثور وَحكم عَن مُوسَى وَعِيسَى أَن أعظم الْوَصَايَا أَن تحب الله بِكُل قَلْبك وعقلك وقصدك وَهَذَا هُوَ حَقِيقَة الحنيفية مِلَّة إِبْرَاهِيم الَّتِي هِيَ اصل شَرِيعَة التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وإنكار ذَلِك هُوَ مَأْخُوذ من مقَال الصابئين أَعدَاء إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وَمن وافقهم على ذَلِك من متفلسف أَو مُتَكَلم أَو متفقه أَخذه عَن هَؤُلَاءِ وَظهر ذَلِك فِي القرامطة الباطنية من الاسماعيلية وَلِهَذَا قَالَ الْخَلِيل إِمَام الحنفاء الشُّعَرَاء أَفَرَأَيْتُم

الصفحة 71