كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

حِين قَالَ خلفت بِبَغْدَاد شَيْئا أحدثه الزَّنَادِقَة يسموه التَّغْيِير يصدون بِهِ النَّاس عَن الْقُرْآن وَأما مَالا يَقْصِدهُ الْإِنْسَان من الِاسْتِمَاع فَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ نهى وَلَا ذمّ بِاتِّفَاق الآئمة وَلِهَذَا إِنَّمَا يَتَرَتَّب الذَّم والمدح على الِاسْتِمَاع لَا على السماع فالمستمع لِلْقُرْآنِ يُثَاب عَلَيْهِ وَالسَّامِع لَهُ من غير قصد لَا يُثَاب على ذَلِك إِذْ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَكَذَلِكَ مَا ينْهَى عَن استماعه من الملاهي لَو سَمعه السَّامع بِدُونِ قصد لم يضرّهُ ذَلِك فَلَو اسْتمع السَّامع بَيْتا يُنَاسب بعض حَاله تحرّك ساكنه الْمَحْمُود وأزعج قاطنه المحبوب أَو تمثل بذلك وَنَحْو ذَلِك لم يكن ذَلِك مِمَّا ينْهَى عَنهُ وَإِن كَانَ الْمَحْمُود الْحسن حَرَكَة قلبه الَّتِي يُحِبهَا الله وَرَسُوله أَو الَّتِي تَتَضَمَّن فعل مَا يُحِبهُ الله وَترك مَا يكرههُ كَالَّذي اجتاز بِبَيْت فَسمع قَائِلا يَقُول كل يَوْم تتلون غير هَذَا بك أجمل فَأخذ مِنْهُ إِشَارَة تناسب حَاله فَإِن الاشارة من بَاب الْقيَاس وَالِاعْتِبَار وَضرب الْأَمْثَال وَمَسْأَلَة السماع كَبِيرَة منتشرة قد تكلمنا عَلَيْهَا فِي غير هَذَا الْموضع وَالْمَقْصُود هَهُنَا أَن الْمَقَاصِد الْمَطْلُوبَة للمريدين تحصل بِالسَّمَاعِ الايماني القرآني النَّبَوِيّ الديني الشَّرْعِيّ الَّذِي هُوَ سَماع النَّبِيين وَسَمَاع الْعَالمين وَسَمَاع العارفين وَسَمَاع الْمُؤمنِينَ قَالَ الله تَعَالَى مَرْيَم أُولَئِكَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين من ذُرِّيَّة آدم إِلَى قَوْله إِذا تتلى عَلَيْهِم آيَات الرَّحْمَن خروا سجدا وبكيا وَقَالَ تَعَالَى الْإِسْرَاء إِن الَّذين أُوتُوا الْعلم من قبله إِذا يُتْلَى عَلَيْهِم يخرون للأذقان سجدا إِلَى قَوْله ويزيدهم خشوعا وَقَالَ تَعَالَى الْمَائِدَة وَإِذا سمعُوا مَا أنزل إِلَى الرَّسُول ترى أَعينهم تفيض من الدمع مِمَّا عرفُوا من الْحق وَقَالَ تَعَالَى الْأَنْفَال إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم وَإِذا تليت عَلَيْهِم آيَاته زادتهم إِيمَانًا الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى الزمر الله نزل أحسن الحَدِيث كتابا متشابها مثاني تقشعر مِنْهُ جُلُود الَّذين يَخْشونَ رَبهم الْآيَة وكما مدح المقبلين على هَذَا السماع فقد ذمّ المعرضين عَنهُ فِي مثل قَوْله لُقْمَان وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث ليضل عَن سَبِيل الله بِغَيْر علم ويتخذها هزوا إِلَى قَوْله وَإِذا تتلى عَلَيْهِ آيَاتنَا ولى مستكبرا كَأَن لم يسْمعهَا الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى الْفرْقَان وَالَّذين إِذا ذكرُوا بآيَات رَبهم لم يخروا عَلَيْهَا صمًّا وعميانا وَقَالَ تَعَالَى الْأَنْفَال وَلَو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم الْآيَة

الصفحة 74