كتاب أمراض القلوب وشفاؤها

قلبه مُعَلّق بِالْمَسْجِدِ إِذا خرج مِنْهُ حَتَّى يرجع إِلَيْهِ ورجلان تحابا فِي الله واجتمعا وتفرقا عَلَيْهِ وَرجل تصدق بِصَدقَة فاخفاها حَتَّى لاتعلم شِمَاله مَا أنفقت يَمِينه وَرجل ذكر الله خَالِيا فَفَاضَتْ عَيناهُ وَرجل دَعَتْهُ امْرَأَة ذَات نسب وجمال فَقَالَ إِنِّي أَخَاف الله رب الْعَالمين وأصل الْمحبَّة هُوَ معرفَة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلها أصلان أَحدهمَا وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ محبَّة الْعَامَّة لأجل إحسانه إِلَى عباده وَهَذِه الْمحبَّة على هَذَا الأَصْل لَا ينكرها أحد فَإِن الْقُلُوب مجبولة على حب من أحسن إِلَيْهَا وبغض من اساء إِلَيْهَا وَالله سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُنعم المحسن إِلَى عَبده بِالْحَقِيقَةِ فَإِنَّهُ المتفضل بِجَمِيعِ النعم وَإِن جرت بِوَاسِطَة إِذْ هُوَ ميسر الوسائط وَسبب الْأَسْبَاب لَكِن هَذِه الْمحبَّة إِذا لم تجذب الْقلب إِلَى محبَّة الله نَفسه فَمَا أحب العَبْد فِي الْحَقِيقَة إِلَّا نَفسه وَهَذَا لَيْسَ بمذموم بل مَحْمُود وَهَذِه الْمحبَّة هِيَ الْمشَار إِلَيْهَا بقوله أَحبُّوا الله لما يغذوكم بِهِ من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أَهلِي بحبي والمتقصر على هَذِه هُوَ لم يعرف من جِهَة الله مَا يسْتَوْجب أَنه يُحِبهُ إِلَّا للإحسان إِلَيْهِ وَهَذَا كَمَا قَالُوا إِن الْحَمد لله على نَوْعَيْنِ حمد هُوَ شكر وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا على نعْمَته وَحمد هُوَ ثَنَاء عَلَيْهِ ومحبة لَهُ وَهُوَ بِمَا يسْتَحقّهُ لنَفسِهِ سُبْحَانَهُ فَكَذَلِك الْحبّ فَإِن الأَصْل الثَّانِي هُوَ محبته لما هُوَ أهل وَهَذَا حب من عرف من الله مَا يسْتَحق أَن يحب لأَجله وَمَا من وَجه من الْوُجُوه الَّتِي يعرف الله بهَا مِمَّا دلّت عَلَيْهِ أسماؤه وَصِفَاته إِلَّا وَهُوَ يسْتَحق الْمحبَّة الْكَامِلَة من ذَلِك الْوَجْه حَتَّى جَمِيع مفعولاته إِذْ كل نعْمَة مِنْهُ فضل وكل نقمة مِنْهُ عدل وَلِهَذَا اسْتحق ان يكون مَحْمُودًا على كل حَال وَيسْتَحق أَن يحمد على السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَهَذَا أَعلَى وأكمل وَهَذَا حب الْخَاصَّة وَهَؤُلَاء هم الَّذين يطْلبُونَ لَذَّة النّظر إِلَى وَجهه الْكَرِيم ويتلذذون بِذكرِهِ ومناجاته وَيكون ذَلِك لَهُم أعظم من المَاء للسمك لَو أنقطعوا عَن ذَلِك لوجدوا من الْأَلَم مَالا يُطِيقُونَ وهم السَّابِقُونَ كَمَا فِي صَحِيح مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ مر النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بجبل يُقَال لَهُ جمدان فَقَالَ سِيرُوا هَذَا جمدان سبق المفردون قَالُوا يَا رَسُول الله من المفردون قَالَ الذاكرون الله كثيرا وَالذَّاكِرَات وَفِي رِوَايَة أُخْرَى قَالَ المستهترون بِذكر الله يضع الذّكر عَنْهُم اثقالهم فَيَأْتُونَ يَوْم الْقِيَامَة خفافا وَفِي حَدِيث هَارُون بن عنترة عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ مُوسَى يَا رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك قَالَ الَّذِي يذكرنِي وَلَا ينساني

الصفحة 77