كتاب القواعد لابن رجب

وَهَا هُنَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الضَّرْبَيْنِ: (مِنْهَا) مَنْ شَرَعَ فِي صِيَامِ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ أَوْ يَمِينٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ، فَالْمَذْهَبُ لَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ لِأَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ، فَهُوَ كَصِيَامِ الْمُتَمَتِّعِ.
وَفِيهِ وَجْهٌ يُلْزِمُهُ الِانْتِقَالَ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ مَشْرُوعَةٌ بِإِرْبَاغِ وَالزَّجْرِ وَفِيهَا مِنْ التَّغْلِيظِ مَا يُنَافِي الرُّخْصَةَ الْمُطْلَقَةَ، وَلِهَذَا يَلْزَمُ شِرَاءُ الرَّقَبَةِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ مَالُهُ غَائِبًا، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَبِيعُهُ رَقَبَةً بِالدَّيْنِ وَمَالُهُ غَائِبٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ انْتِظَارُهُ أَوْ يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الصِّيَامِ لِلْمَشَقَّةِ أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الظِّهَارِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَوْجُهٍ مَعْرُوفَةٍ.
(وَمِنْهَا) الْمُتَيَمِّمُ إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فَفِي بُطْلَانِهَا رِوَايَتَانِ ; لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ رُخْصَةً عَامَّةً فَهُوَ كَصِيَامِ الْمُتَمَتِّعِ، وَمِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ ضَرُورَةً يُشْبِهُ الْعِدَّةَ بِالْأَشْهُرِ.
وَبَيَانُ الضَّرُورَةِ أَنَّهُ تُسْتَبَاحُ مَعَهُ الصَّلَاةُ بِالْحَدَثِ فَإِنَّهُ غَيْرُ رَافِعٍ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ مُحْدِثًا مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الرَّافِعِ لَهُ.
(وَمِنْهَا) إذَا نَكَحَ الْمُعْسِرُ الْخَائِفُ لِلْعَنَتِ أَمَةً ثُمَّ زَالَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ، فَهَلْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ.
عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَالنِّكَاحُ فِيهِ شَوْبُ عِبَادَةٍ.

[الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَة مِنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْعِبَادَةِ وَعَجَزَ عَنْ باقيها هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ]
(الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ) : مَنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْعِبَادَةِ وَعَجَزَ عَنْ بَاقِيهَا هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهَا أَمْ لَا؟
هَذَا أَقْسَامٌ: (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَيْسَ مَقْصُودً فِي الْعِبَادَةِ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ مَحْضَةٌ إلَيْهَا كَتَحْرِيكِ اللِّسَانِ فِي الْقِرَاءَةِ وَإِمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى الرَّأْسِ فِي الْحَلْقِ وَالْخِتَانِ، فَهَذَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ ضَرُورَةُ الْقِرَاءَةِ وَالْحَلْقِ وَالْقَطْعِ، وَقَدْ سَقَطَ الْأَصْلُ فَسَقَطَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ.
وَأَوْجَبَهُ الْقَاضِي فِي تَحْرِيكِ اللِّسَانِ خَاصَّةً وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا وَجَبَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ.
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ وُجُوبُهُ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ لِيَتَحَقَّقَ حُصُولُهَا كَغَسْلِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ فَإِذَا قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ الْمِرْفَقِ هَلْ يَجِبُ غَسْلُ رَأْسِ الْمِرْفَقِ الْآخَرِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ.
وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ خِلَافِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.
هَذَا إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَةِ كَمَا فِي وُضُوءِ الْأَقْطَعِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ سَقَطَ التَّبَعُ كَإِمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ فَلَا يَلْزَمُ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ بِالِاتِّفَاقِ.
(وَالثَّانِي) مَا وَجَبَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّكْمِيلِ وَاللَّوَاحِقَ مِثْلُ رَمْيِ الْجِمَارِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى لِمَنْ لَمْ يُدْرِكْ

الصفحة 10