كتاب دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين ط مكتبة السنة

الحَيَوَانِ، وَإِنَّ الَّذِي أَلْهَمَ النَّحْلَةَ اِتِّخَاذَ البَيْتِ الْعَجِيبِ الصَّنْعَةِ لِلتَّعْسِيلِ فِيهِ، وَأَلْهَمَ النَّمْلَةَ أَنْ تَدَّخِرَ قُوتَهَا أَوَانَ حَاجَتِهَا، وَأَنْ تَكْسِرَ الحَبَّةَ نِصْفَيْنِ لِئَلاَّ تَسْتَنْبِتَ، لَقَادِرٌ عَلَى إِلْهَامِ الذُّبَابَة أَنْ تُقَدِّمَ جَنَاحًا وَتُؤَخِّرَ آخَرَ» (¬1).

وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ: المُتَوَفَّى سَنَةَ 597 هـ، سبع وتسعين وخمسمائة وألف للهجرة: «مَا نُقِلَ عَنْ هَذَا الْقَائِل لَيْسَ بِعَجِيبٍ، فَإِنَّ النَّحْلَة تُعَسِّلُ مِنْ أَعْلاَهَا وَتُلْقِي السُمَّ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَالْحَيَّةُ الْقَاتِلُ سُمُّهَا تَدْخُل لُحُومَهَا فِي التِّرْيَاقِ الَّذِي يُعَالَجُ بِهِ السُمَّ، وَالذُّبَابَةُ تُسْحَقُ مَعَ الإِثْمِد (¬2) لِجَلاَءِ البَصَر».

وَذَكَرَ بَعْضُ حُذَّاقِ الأَطِبَّاءِ: «أَنَّ فِي الذُّبَابِ قُوَّةً سُمِّيَّةً يَدُلُّ عَلَيْهَا الوَرَم وَالحَكَّةَ الْعَارِضَةَ عَنْ لَسْعِهِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّلاَحِ لَهُ، فَإِذَا سَقَطَ الذُّبَابُ فِيمَا يُؤْذِيهِ تَلَقَّاهُ بِسِلاَحِهِ، فَأَمَرَ الشَّارِعُ أَنْ يُقَابِلَ تِلْكَ السُّمِّيَّةَ بِمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الجَنَاحِ الآخَرَ مِنْ الشِّفَاءِ فَتَتَقَابَلُ المَادَّتَانِ فَيَزُولُ الضَّرَرُ بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى». (¬3).

وقال الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية المتوفى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة:
«وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الذُّبَابِ عِنْدَهُمْ قُوَّةً سُمِّيَّةً يَدُلُّ عَلَيْهَا الْوَرَمُ، وَالْحِكَّةُ الْعَارِضَةُ عَنْ لَسْعِهِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّلاحِ، فَإِذَا سَقَطَ فِيمَا يُؤْذِيهِ، اتَّقَاهُ بِسِلاَحِهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَابِلَ تِلْكَ السُّمِّيَّةَ بِمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي جَنَاحِهِ الآخَرِ مِنَ الشِّفَاءِ، فَيُغْمَسُ كُلُّهُ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ، فَيُقَابِلُ الْمَادَّةَ السُّمِّيَّةَ الْمَادَّةُ النَّافِعَةُ، فَيَزُولُ ضَرَرُهَا، وَهَذَا طِبٌّ لاَ يَهْتَدِي إِلَيْهِ كِبَارُ الأَطِبَّاءِ وَأَئِمَّتُهُمْ، بَلْ هُوَ خَارِجٌ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ، وَمَعَ هَذَا فَالطَّبِيبُ الْعَالِمُ الْعَارِفُ الْمُوَفَّقُ يَخْضَعُ لِهَذَا الْعِلاَجِ، وَيُقِرُّ لِمَنْ جَاءَ
¬__________
(¬1) " فتح الباري ": جـ 10 ص 251، 252.
(¬2) هو حجر أسود يميل إلى الزرقة يدق فيكتحل به.
(¬3) " فتح الباري ": جـ 10 ص 252.

الصفحة 340