كتاب دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين ط مكتبة السنة

الحديث ثابت عند أهل العلم بالحديث، متلقى بالقبول بينهم لا يختلفون في صحته، وقد اعتاص على كثير من أهل الكلام وغيرهم وأنكروه أشد الإنكار وقابلوه بالتكذيب، وصنف بعضهم فيه مُصَنَّفًا مُنْفَرِدًا حمل فيه على هشام - يعني ابن عروة بن الزبير - وكان غاية ما أحسن القول فيه أن قال: غلط واشتبه عليه الأمر ولم يكن من هذا شيء قال: لأن النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يجوز أن يسحر فإنه تصديق لقول الكفار {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا}.
قالوا: فالأنبياء لا يجوز عليهم أن يسحروا فإن ذلك ينافي حماية الله لهم وعصمتهم من الشياطين.

قال: وهذا الذي قاله هؤلاء مردود عند أهل العلم فإن هشامًا من أوثق الناس وأعلمهم، ولم يقدح فيه أحد من الأئمة بما يوجب رَدَّ حديثه فما للمتكلمين وما لهذا الشأن؟ (¬1).

وقد رواه غير هشام عن عائشة (¬2)، وقد اتفق أصحاب " الصحيحين " على تصحيح هذا الحديث، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة، والقصة مشهورة عن أهل التفسير والسنن، والحديث، والتاريخ، والفقهاء، وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأيامه من المتكلمين إلى أن قال: والسحر الذي أصابه كان مَرَضًا من الأمراض عارضًا شفاه الله منه، ولا نقص في ذلك، ولا عيب بوجه، فإن المرض يجوز على الأنبياء، وكذلك الإغماء، فقد أغمي عليه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مرضه، ووقع حين انفكت قدمه، وجحش شقه، وهذا من البلاء الذي يزيد الله به رفعة في درجاته وقيل كرامته، وأشد الناس بلاء الأنبياء، فابتلوا من أممهم بما ابتلوا من القتل والضرب والشتم، والحبس، فليس ببدع أن يبتلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بعض أعدائه بنوع من السحر كما ابتلي بالذي رماه فشجه، وابتلي بالذي ألقى على ظهره السلا (¬3) وهو ساجد
¬__________
(¬1) يعني علم الحديث رواية ودراية، وصدق ابن القيم فهم لا يعرفون من الحديث وعلومه إلا ظاهرًا منه، وأغلب أخطائهم في رد الأحاديث ناتج - علم الله - من جهلهم.
(¬2) يعني بالواسطة فإن هشامًا يرويه عن أبيه، عن عائشة. أقول: وممن رواه عن عائشة عمرة بنت عبد الرحمن التابعية العالمة الفقيهة.
(¬3) هو الكيس الذي يكون فيه جنين الناقة: المشيمة ...

الصفحة 364