كتاب الرد على من ينكر حجية السنة

ويأذن لهم أنفسهم في الوقت نفسه بكتابة القرآن مع أنه يستدعي احتياطًا أعظم.

ويظهر لك من تقرير هذه الأقوال المتقدمة أن أصحابها لا يقولون بنسخ شيء بشيء. ولم يقل بالنسخ إلا أصحاب القول السادس الآتي.

سادسها: أن يكون النهي من منسوخ السُنَّةِ بِالسُنَّةِ كأنه نهي في أول الأمر عن أن يكتب قوله ثم رأى - لما علم أن السنن تكثر وتفوت الحفظ - أن تكتب وتقيد. قاله ابن قتيبة اَيْضًا. ومثله في " معالم السنن " للخطابي حيث قال: «يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مُتَقَدِّمًا وَآخِرُ الأَمْرَيْنِ الإِبَاحَةُ». وظاهر كلامهما أن كُلاًّ من النهي والإذن عام للصحف والأشخاص والأزمنة لا تخصيص فيه بشيء مما تقدم في الأقوال السابقة. وظاهره اَيْضًا أنه نهي في أول الأمر سَوَاءًا خِيفَ اللُّبْسُ أَوْ لاَ. ثم أذن مطلقًا كذلك.

فيرد عليهما أَوَّلاً: أنه لا حكمة في النهي عند أمن اللبس. اللهم إلا أن يقول: إنه تَعَبُّدِي.

وَثَانِيًا: أنه لا يصح الإذن بحال إذا خيف اللبس. اللهم إلا أن يقال: إن القرآن من وقت صدور الإذن تقرر عندهم وتواتر بينهم، وميزوه تمام التمييز عن غيره، وستستمر هذه الحالة بين الأمة إلى يوم القيامة، فلا يمكن حصول الاشتباه فالخوف قد انقطع زمنه وانقضى حكمه. وفيه بعد، فإنه يمكن حصول الاشتباه لمن يكون حديث عهد بالإسلام بعيدًا عمن يرجع إليه ويهديه إلى الصواب إذا اشتبه. فيجب أن لا يكتب له شيء من غير القرآن معه إذا ما طلب منا كتابة القرآن له. فالحق أن الإذن يجب أن يكون مُقَيَّدًا بحالة الأمن، ولذلك قال السيوطي في تقرير هذا المذهب: «(أَوْ نَهَى) عَنْهُ (حِينَ خِيفَ اخْتِلاَطُهُ بِالْقُرْآنِ، وَأَذِنَ) فِيهِ (حِينَ أَمِنَ) ذَلِكَ. فَيَكُونُ النَّهْيُ مَنْسُوخًا». اهـ. ومثله في " شرح مسلم للنووي " (¬1). وقال
¬__________
(¬1) ج 18 ص 130.

الصفحة 460