كتاب الرد على من ينكر حجية السنة

ابن حجر (¬1) في تقريره: «إِنَّ النَّهْيَ مُتَقَدِّمٌ وَالإِذْنَ نَاسِخٌ لَهُ عِنْدَ الأَمْنِ مِنَ الاِلْتِبَاسِ». اهـ.

لكن عبارة ابن حجر يظهر فيها القول بالنسخ فإنه جعل النهي في أول الأمر متوجهًا في حالتي الخوف والأمن كما هو ظاهر من إطلاقه ثم جاء الإذن في حالة الأمن نَاسِخًا النَّهْيَ في هذه الحالة. وبقي النهي في حالة الخوف مستمرًا

وأما عبارة السيوطي والنووي فلا يعقل فيها نسخ لأن النهي كان من أول الأمر خَاصًّا بحالة الخوف. والإذن في حالة الأمن. فلا يرفعه إذ لم يَرِدَا في حالة واحدة بل هما في حالتين مختلفتين وَلِعِلَّتَيْنِ مُتَغَايِرَتَيْنِ. فيستمران هكذا إلى يوم القيامة: إن وجد الخوف توجه النهي، وإن وجد الأمن حصلت الإباحة. فمن أين النسخ؟.

اللهم إلا أَنْ يَدَّعِي أن النهي إنما كان في زمن لا يوجد فيه إلا الخوف من الاشتباه لعدم تقرر القرآن في النفوس وتميزه تمام التمييز. وأنه من حين الإذن إلى يوم القيامة , لا يوجد إلا الأمن لتواتر القرآن وكمال تميزه عند الأمة. ولو فرض أنه حصل لبس لأحد رجع إلى الكثير من الناس فيبينون له الصواب فهو آمن من اللبس في النهاية. وحيث إن النهي قد انتهت علته ولا يمكن وجودها من وقت الإذن فقد انتهى هو اَيْضًا. وهذا نسخ.

وفيه نظر: فإن الإذن لا يقال: إنه ناسخ لهذا النهي على تقدير صحة كلامهم هذا. وكل ما في الأمر أنه قد انتهى تعلق الحكم لانتهاء علته وعدم وجودها فيما بعد. ولا يقال لنحو هذا: نسخ. لأن النسخ رفع حكم شرعي بخطاب شرعي.

وفيه نظر آخر يعلم مما تقدم في مسألة حديث العهد بالإسلام.

فالنسخ إنما يعقل في كلام ابن قتيبة والخطابي - على ما فيهما من المناقشة
¬__________
(¬1) في " الفتح ": ج 1 ص 149.

الصفحة 461