كتاب الرد على من ينكر حجية السنة

وَرَوَى عَنْ إِسْحَاقٍ بْنَ مَنْصُورٍ قَالَ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مَنْ كَرِهَ كِتَابَ الْعِلْمِ؟ قَالَ: «كَرِهَهُ قَوْمٌ وَرَخَّصَ فِيهِ آخَرُونَ»، قُلْتُ لَهُ: لَوْ لَمْ يُكْتَبِ العِلْمُ لَذَهَبَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَوْلاَ كِتَابَةُ الْعِلْمِ أَيُّ شَيْءٍ كُنَّا نَحْنُ؟». قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: وَسَأَلْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ، فَقَالَ: كَمَا قَالَ أَحْمَدُ سَوَاءً.

وَرَوَى عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ: [سَمِعْتُ] أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، يَقُولاَنِ: «كُلُّ مَنْ لاَ يَكْتُبِ الْعِلْمَ لاَ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ».

وَرَوَى عَنْ الرِّيَاشِيُّ [قَالَ]: قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، «اجْعَلْ مَا تَكْتُبُ بَيْتَ مَالٍ، وَمَا فِي صَدْرِكَ لِلنَّفَقَةِ».

وَرَوَى عَنْ المُبَرِّدِ، [قَالَ]: قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، «مَا سَمِعْتُ شَيْئًا إِلاَّ كَتَبْتُهُ، وَلاَ كَتَبْتُهُ إِلاَّ حَفِظْتُهُ، وَلاَ حَفِظْتُهُ إِلاَّ نَفَعَنِي».

...

وأما حصول هذه الأمور من بعض الصحابة: فلو سلمنا أن عمل هذا البعض حجة فلا دلالة فيه على عدم حُجِّيَّةَ السُنَّةِ، لما علمته في الكلام على نهي النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الكتابة: حيث بينا هناك عدم دلالته على عدم الحُجِّيَةِ، وأن الكتابة ليست من لوازمها، وأن النهي إنما كان لعلل أخرى يمكن مجيئها هنا.

ولا دلالة فيه اَيْضًا على أن النهي متأخر عن الإذن وناسخ له. لأنا إذا ذهبنا مذهب ابن قتيبة والخطابي (المذكور في القول السادس في البحث المتقدم) من أن كُلاًّ من النهي والإذن عام في جميع الأحوال والأشخاص - نقول: إنهم إنما استمروا على هذه الأمور بعد وفاته - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لأنهم لم يطلعوا على إذنه فاعتقدوا استمرار الحكم وعدم نسخه. لا لأن النهي في الواقع متأخر عن الإذن وناسخ له. وإلا لما حصل إجماع من بعدهم على الإذن والإباحة.

وإذا ذهبنا مذهب المخصصين لكل من النهي والإذن بأي نوع من أنواع التخصيص المتقدمة - نقول: إن امتناع من امتنع من الصحابة أو التابعين عن الكتابة،

الصفحة 469