كتاب الرد على من ينكر حجية السنة

ومنعه الغير منها وإحراقه لما كتب - إنما كان عند تحقق حالة من حالات النهي المتقدمة التي يمكن وجودها في عصرهم. كأن كان يخشى اشتباه القرآن بالسنة إذا كتبت معه في صحيفة واحدة أو مطلقا. أو يخشى الاتكال على الكتابة وترك الحفظ الذي يميل إليه بطبعه، ويرى في تركه مضيعة للعلم وذهابا للفقه والفهم.

ومثل ذلك يقال في التدوين وجمع السُنَّةِ في كتاب واحد كالقرآن.
ونزيد كون التدوين من لوازم الحُجِّيَةِ بطلانًا فنقول:
لو كان عدم التدوين دليلاً على عدم الحُجِّيَةِ لصح أن يقال: إن أبا بكر وزيد بن ثابت لما امتنعا عن جمع القرآن في أول الأمر كانا يفهمان أن القرآن ليس بحجة. وذلك ما لا يمكن أن يتصور في أبي بكر وزيد. ولكن الواقع أنهما إنما امتنعا عن جمعه أول الأمر: لأنه عمل لم يعمله الرسول قبلهما ولم يأمر به. ثم لما وجدا أن المصلحة والخير كل الخير في جمعه قاما به.

روى " البخاري " من طريق ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ،: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عِنْدَهُ»، قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ، قُلْتُ لِعُمَرَ: «كَيْفَ [تَفْعَلُ] شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» قَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ، «فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ»، قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، «فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ»، قُلْتُ: «كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟»، قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، " فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ وَاللِّخَافِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ

الصفحة 470