كتاب الرد على من ينكر حجية السنة

غَيْرِهِ، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} (¬1) [التوبة: 128] حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ".

فهذا يدلك على أن عدم التدوين ليس دليلاً على عدم الحُجِّيَةِ. بل قد يكون لسبب آخر من الأسباب المتقدمة أو التي سنذكرها.

ثم إنا نجد أن عمر كان مترددًا في تدوين السُنَّةِ وجمعها في كتاب واستشار الصحابة في ذلك. فمنهم من أشار عليه بتدوينها. ولو كان التدوين متلازمًا مع الحُجِّيَةِ: للزم من تردده في حُجِّيَّةَ السُنَّةِ. أفيصح أن يظن ظان أن تردده هذا ناشئ عن تردده في حجيتها؟ لا يمكن أن يظن أن عمر يمضي عليه الزمن الطويل - من وقت إسلامه إلى أن تردد في تدوينها زمن خلافته - وهو متردد في كونها حُجَّةً. ولقد كان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حريصًا أشد الحرص على معرفة ما دون هذا الأمر الخطير - من الأحكام - من النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والبحث عنه. وقد كان يسارع في إبداء رأيه في كثير من المواقف مع الصراحة المتناهية. فلا يخلو حاله إذن من أحد أمرين: إما يكون مُعْتَقِدًا حُجِّيَّتَهَا، أَوْ مُعْتَقِدًا عَدَمَهَا. وعلى كل فلا يصح أن يكون تردده في التدوين ناشئًا عن تردده في حُجِّيَّةَ السُنَّةِ. بل لا بد أن يكون قد نشأ عن تردده فيما جد من الأسباب التي حملته على البحث في أمر تدوين السُنَّةِ.

ثم نزيد امتناع بعضهم عن التدوين، وإحراقهم لما دَوَّنُوهُ - سببين آخرين:
أولهما: أنه لشدة ورعه وخوفه من الله تعالى خشي أن يتمسك أحد بعده بحديث يدونه ويكون هذا الحديث المدون قد رواه له رجل ظاهره الثقة وهو كذوب، أو ظاهره أنه قوي الحفظ وهو ضعيفه. أو أنه إذا لم يكن هناك واسطة بينه وبين الرسول يحتمل أن يكون هو نفسه قد بدل حَرْفًا بحرف فيه سَهْوًا. وإلى هذا أشار أبو بكر في قوله لعائشة مبينا سبب إحراقه ما دونه من الأحاديث الذي ذكره صاحب الشبهة «خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ وَهِيَ عِنْدَكِ فَيَكُونُ فِيهَا أَحَادِيثٌ عَنْ رَجُلٍ
¬__________
(¬1) [سورة التوبة، الآية: 128].

الصفحة 471