كتاب الرد على من ينكر حجية السنة

أن يعتقد من بعدهم أنهم بذلوا كل الجهد وأمكنهم استيعاب كل السُنَّةِ - كما فعلوا في القرآن - وجمعوها في هذا الكتاب المدون. ويعتقد أن ما عدا ما فيه - مما يتحدث به الرواة - ليس منها. أو لا يعتقد ذلك لكنه يقدم ما دونوه على ما يروى مشافهة عند التعارض. وقد يكون في الواقع المروي مشافهة نَاسِخًا لِلْمُدَوَّنِ. وفي ذلك كله ما فيه: من الخطر وضياع جزء كبير من الأحكام الشرعية.

ولا يخفى أن هذا الاعتقاد محتمل الوقوع من المتأخرين إذا كان المدون للسنة أكابر الصحابة الذين كانوا أكثر ملازمة له - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غيرهم وخصوصًا نحو أبي بكر وعمر.

وأنت إذا نظرت فيما رواه صاحب الشبهة من قول أبي بكر: «وَيَكُونُ قَدْ بَقِيَ حَدِيثٌ لَمْ أَجِدْهُ» (*) فيقال: لو كان قاله رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما خفي على أبي بكر ". تتأكد مما قلناه.

فأما إذا قام بالتدوين صحابي لم تعلم عنه الملازمة له - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمثل هذا الاحتمال بعيد جِدًّا. وأبعد منه أن يتوهم متوهم أن إمامًا مثل الزهري أو البخاري أو مسلم - ممن بذلوا كل الجهد في استقصاء الأحاديث وتدوينها - أمكنه أن يجمع جميع السنة وذلك لبعد العهد واتساع رقعة الإسلام، وموت الصحابة أو معظمهم، وتزايد عدد الحَمَلَةِ من التابعين ومن بعدهم تزايدًا يجعل العقل يحكم لأول وهلة أن نحو الزهري لا يمكنه أن يقابلهم جميعًا ولا أن يأخذ عنهم جميع ما حملوا.

وإذا كان الاحتمال بالنسبة لهؤلاء مندفعًا بالبداهة فلا بأس من تدوينها منهم ومن نحوهم. بل هو مطلوب لطول العهد وموت الحَمَلَةِ الثقات ولضعف الحفظ واختلاط العجم بالعرب وانتشار مدنيتهم بينهم وتعلم أكثرهم الكتابة وخروجهم عن طبيعتهم الأولى من الاعتماد على الحفظ. ولانتشار الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - - بسبب تعدد المذاهب ونشوء الفرق وكثرة الإلحاد والزندقة - انتشارا احتيج معه إلى تأكيد ثبوت ما صح عنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكتابة الثقات النقدة وتدوينهم، حتى يتميز الصحيح
¬__________
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) قارن بما ورد في صفحة 407 من هذا الكتاب.

الصفحة 473