كتاب الرد على من ينكر حجية السنة

تمام التميز من المكذوب.

قال الحافظ ابن حجر - في مقدمة الفتح (¬1) - «اعلم علمني الله وإياك أن آثار النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم تكن في عصر أصحابه وكبار تابعيهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة لأمرين (أحدهما): أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نُهُوا عن ذلك - كما ثبت في " صحيح مسلم " - خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم. (وثانيهما) لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم ولأن أكثرهم لا يعرفون الكتابة. ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار، وتبويب الأخبار. لما انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار». اهـ.

ولذلك كله أمر عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - الولاة والعلماء بجمع الحديث وتدوينه. وأرسل صورة من المكتوب إلى كل مصر.

قال أبو عبد الله البخاري - في تعاليقه: وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: «انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاكْتُبْهُ، فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ العِلْمِ وَذَهَابَ العُلَمَاءِ، وَلاَ تَقْبَلْ إِلاَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم، وَلْتُفْشُوا العِلْمَ، وَلْتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لاَ يَعْلَمُ، فَإِنَّ العِلْمَ لاَ يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا». ورواه مالك في " الموطأ " (رواية محمد بن الحسن) مختصرًا (¬2). وأخرج الهروي في " ذم الكلام " من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الله بن دينار قال: «[لَمْ يَكُونُوا يَكْتُبُونَ] الْحَدِيثَ إِنَّمَا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا لَفْظًا وَيَأْخُذُونَهَا حِفْظًا إِلاَّ كِتَابَ الصَّدَقَاتِ وَالشَّيْءَ اليَسِيرَ الَّذِي يَقِفُ عَلَيْهِ الْبَاحِثُ بَعْدَ الاسْتِقْصَاءِ، حَتَّى خِيفَ عَلَيْهِ الدُّرُوسُ وَأَسْرَعَ فِي الْعُلَمَاءِ الْمَوْتُ أَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ [الأُمَوِيُّ] أَبَا بَكْرٍ الْحَزْمِيَّ - فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ - " أَنِ انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ سُنَّةٍ أَوْ [حَدِيثِ عُمَرَ] فَاكْتُبْهُ فَإِنِّي أَخَافُ دروس الْعلم» (¬3). وأخرجه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " بلفظ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الآفَاقِ:
¬__________
(¬1) ج 1 ص 4.
(¬2) انظر " قواعد التحديث ": ص 46، 47.
(¬3) انظر " قواعد التحديث ": ص 46، 47.

الصفحة 474