كتاب الرد على من ينكر حجية السنة

«انْظُرُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْمَعُوهُ [وَاحْفَظُوهُ؛ فَإِنِّي أَخَافُ دُرُوسَ الْعِلْمِ، وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ]» (¬1). وروى عبد الرزاق (*) عَنْ ابْنَ وَهْبٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، يَقُولُ: «إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَكْتُبُ إِلَى الأَمْصَارِ يُعَلِّمُهُمُ السُّنَنَ وَالْفِقْهَ، وَكَانَ يَكْتُبُ إِلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَلُهُمْ عَمَّا مَضَى، وَيَعْلَمُ مَا عِنْدَهُمْ، وَيَكْتُبُ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنْ يَجْمَعَ لَهُ السُّنَنَ، وَيَكْتُبُ إِلَيَّ بِهَا، فَتُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ كَتَبَ ابْنُ حَزْمٍ كُتُبًا قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إِلَيْهِ» (¬2).

وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ البَرِّ عَنْ سَعِيدٍ بْنِ زِيَادٍ مَوْلَى [الزُّبَيْرِيِّينَ] قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يُحَدِّثُ سَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ [قَالَ]: «أَمَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِجَمْعِ السُّنَنِ. فَكَتَبْنَاهَا دَفْتَرًا دَفْتَرًا، فَبَعَثَ إِلَى كُلِّ أَرْضٍ لَهُ عَلَيْهَا سُلْطَانٌ دَفْتَرًا».

قال ابن حجر في مقدمة " الفتح " - بعد قوله المتقدم -: «فأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما. وكانوا يصنفون كل باب على حِدَةٍ. إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام: فصنف الإمام مالك " الموطأ " وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز، ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم. وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيْجٍ بمكة. وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي بالشام. وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة وأبو سلمة حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بن دينار بالبصرة. ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم. إلى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة. وذلك على رأس المائتين. فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي " مُسْنَدًا ". وصنف مسدد بن مسرهد البصري " مُسْنَدًا ". وصنف أسد بن موسى الأموي " مُسْنَدًا ". وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر " مُسْنَدًا ". ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك أثرهم. فَقَلَّ إمام إلا وصنف حديثه على المسانيد: كالإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم من النبلاء».
¬__________
(¬1) انظر " قواعد التحديث ": ص 46، 47.
(¬2) انظر " قواعد التحديث ": ص 47.
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) لم أجده في " مصنف عبد الرزاق الصنعاني ". ولكن وجدته في " فوائد ابن منده "، تحقيق مجدي السيد إبراهيم، ص 94، نشر مكتبة القرآن. القاهرة - مصر. وما أثبته لفظًا لابن منده.

الصفحة 475