كتاب الرد على من ينكر حجية السنة

«ومنهم من صنف على الأبواب وعلى المسانيد معا: كأبي بكر بن أبي شيبة».

«فلما رأى البخاري هذه التصانيف ورواها، وانتشق ريها، واستجلى محياها - وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين والكثير منها يشمله التضعيف فلا يقال لغثه سمين. فحرك همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين، وقوى عزمه على ذلك ما سمعه من أستاذه:. . . إسحاق بن راهويه حيث قال لمن عنده والبخاري فيهم: لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال البخاري: فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح». اهـ. باختصار.

قال في " قواعد التحديث ": قال السيوطي: «وَهَؤُلاَءِ الْمَذْكُورُونَ فِي أَوَّلِ مَنْ جَمَعَ، كُلُّهُمْ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا ابْتِدَاءُ تَدْوِينِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ وَقَعَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَأَفَادَ الحَافِظُ فِي " الفَتْحِ " اَيْضًا (¬1): أَنَّ أَوَّلَ مَنْ دَوَّنَ الحَدِيثَ ابْنُ شِهَابٍ بِأَمْرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. كَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدٍ بْنِ الحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ العِلْمَ ابْنُ شِهَابٍ». يَعْنِي الزُّهْرِيُّ».

...

ولذلك اَيْضًا: انعقد الإجماع بعد عصر التابعين على إباحة الكتابة وتدوين السُنَّةِ. بل ذهب بعضهم إلى ندبها ووجوبها (¬2).

قال القاضي عياض: (¬3) «كَانَ بَيْنَ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ اِخْتِلاَفٌ كَثِيرٌ فِي كِتَابَةِ العِلْمِ: فَكَرِهَهَا كَثِيرُونَ مِنْهُمْ وَأَجَازَهَا أَكْثَرُهُمْ. ثُمَّ أَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِهَا وَزَالَ ذَلِكَ الخِلاَفُ». اهـ.
¬__________
(¬1) ج 1 ص 146. وانظر: ص 149.
(¬2) انظر: " عمدة القاري ": ج 2 ص 158.
(¬3) كما نقله النووي في " شرح مسلم ": ج 18 ص 129، 130.

الصفحة 476