كتاب دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين ط مكتبة السنة

طَعْنُ أَبِي رَيَّةَ فِي كَعْبِ الأَحْبَارِ وَالرَدِّ عَلَيْهِ:
في [ص 108] ذكر عنوان «الإسرائيليات في الحديث» وَبَيَّنَ منشأها ثم عرض لكعب الأحبار ووهب بن منبه وأضرابهما من علماء أهل الكتاب الذين أسلموا، وقد نال أكثر ما نال من كعب، واعتبره الصهيوني الأول.

وإليك رأيي فيما عرض له:
1 - كعب الأحبار من التابعين، وعلماء الجرح والتعديل - وهم الذين لا تخفى عليهم حقيقة أي راو مهما تستر - لم يتهموه بالوضع والاختلاق والجمهور على توثيقه، ولذا لا تجد له ذكرا في كتب الضعفاء والمتروكين وقد ترجم له الذهبي ترجمة قصيرة في " تذكرة الحفاظ " وتوسع ابن عساكر في ترجمته في " تاريخ دمشق " وأطال أبو نعيم في " الحِلْيَةِ " في أخباره وعظاته وتخويفه لعمر، وترجم له ابن حجر في " الإصابة " و " تهذيب التهذيب "، وقد اتفقت كلمة النُقَّادِ على توثيقه (¬1) ولكن يعكر على هذا ما ورد في حقه في " الصحيح ": روى البخاري بسنده عن معاوية وهو يُحَدِّثُ رهطاً من قريش بالمدينة - يعني لما حج في خلافته - وذكر كعب الأحبار فقال: «إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلاَءِ المُحَدِّثِينَ عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الكَذِبَ» وفي رواية أخرى: «لَمِنْ أَصْدَقِ» وظاهر كلام معاوية - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يخدش كعباً في بعض مروياته، ولكنه لا يدل على ما ذهب إليه المؤلف وأمثاله من أنه كان وَضَّاعاً كذاباً.

وهذا الكلام من معاوية له وزنه فهو رجل داهية لا تخفى عليه الرجال ولا دسائسهم، ومعاوية لا يخشى كعباً ولا يعقل أنْ يَتَمَلَّقَهُ، ولو يعلم فيه أكثر من ذلك لقاله، وقد حسن العلماء الظن بكعب فحملوا هذه الكلمة على محل حسن، قال ابْنُ حِبَّانَ في " الثِّقَاتِ ": «أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنَّهُ يُخْطِئُ أَحْيَانَا فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ كَانَ كَذَّابًا» وقال ابن الجوزي: «الْمَعْنَى أَنَّ بَعْضَ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ كَعْبٌ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَكُونُ كَذِبًا لاَ أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، وَإِلاَّ فَقَدْ كَانَ كَعْبٌ مِنْ أَخْيَارِ الأَحْبَارِ» ومن قبل ذلك قال ابن عباس في كعب «بَدَلَ مَنْ قَبْلَهُ فَوَقَعَ فِي الْكَذِبِ» (¬2)، ولا يعزب عن بالنا أن ابن الجوزي صاحب ملكة في النقد وكان حربا على الوَضَّاعِينَ وكتابه " الموضوعات " أشهر الكتب وأحفلها
¬__________
(¬1) " مقالات " الكوثري: ص 31.
(¬2) " مقالات " الكوثري: ص 31.

الصفحة 70