كتاب دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين ط مكتبة السنة

طَعْنُهُ فِي حَدِيثِ " الصَّحِيحَيْنِ " وَالرَدُّ عَلَيْهِ:
في [ص 144] قال: ومن المسيحيات في الحديث ما رواه " البخاري " عن أبي هريرة: أن النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ حِينَ يُولَدُ غَيْرَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ فِي الحِجَابِ». وفي رواية سمعت رسول الله يقول: «مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلاَّ يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ، غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا ... ». ثم قال في الحاشية: وحديث طعن الشيطان الذي رواه البخاري قال ابن حجر في " شرحه ": «وقد طعن صاحب " الكشاف " في معنى هذا الحديث وتوقف في صحته، وكذلك طعن فيه الرازي وقال: إِنَّ الحديث خبر واحد ورد على خلاف الدليل ... ».

وللرد على ذلك نقول:

[أ] إِنَّ هذا الحديث صحيح رواه " البخاري " و" مسلم " وغيرهما من أئمة الحديث، وما دَلَّ عليه هو استجابة لدعاء أم السيدة مريم حيث قالت كما قال الله تعالى: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (¬1). ولا أدري أي ضير في أَنْ يصدع النَّبِي الذي لا ينطق عن الهوى بخصيصة من الخصائص، أو إظهار فضيلة من الفضائل لأحد من إخوانه الأنبياء أو غيرهم، إِنَّ إظهار فضيلة من الفضائل لأحد من إخوانه الأنبياء أو غيرهم، إِنَّ هذا إِنْ دَلَّ على شيء فإنما يدل على غاية السمو المحمدي وعلى الأمانة الفائقة في التبليغ وعلى أَنَّ الإسلام دين إلهي وليس من عند بشر، إذ لو كان من عند بشر لما حرص على أَنْ يظهر الأنبياء بهذا المظهر الكريم وبهذه المنازل العالية، وليس في إسناد خصوصية لعيسى أو لغيره ما يعود بالنقص على إخوانه الأنبياء ولا ما يثبت تفضيله عليهم، إذ من المسلم أنه قد يكون في المفضول من الخصائص ما ليس للأفضل ولا يؤثر هذا في أفضليته، لأن له من الخصائص ما يؤهله لاستحقاق الأفضلية، هذا إلى أَنَّ المتكلم غير داخل في عموم كلامه كما قال جمع من العلماء، فيكون نبينا محمد - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ - مِمَّنْ لم يمسه الشيطان اَيْضًا كما رُوِيَ ذلك في حديث، وَأَيًّا ما كان الأمر فليس في الحديث ما يدل على أفضلية عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - على نبينا - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أما كون بعض القسس المسيحيين «اتكأوا على هذا الحديث في إثبات عقيدة من عقائدهم الزائفة» كما قال المؤلف، فلا يعود على الحديث بالبطلان أو الرَدِّ
¬__________
(¬1) [سورة آل عمران، الآية: 36].

الصفحة 86