كتاب دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية - عرض ونقد

والترتيب، والتقسيم والتبيين) (¬1) .
وثانيهما: قول الإمام الذهبي (¬2) رحمه الله عنه: (كان يقضى منه العجب، إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف، يستدل ويرجح، ويجتهد، وحق له ذلك، فإن شروط الاجتهاد كانت قد اجتمعت فيه، فإنني ما رأيت أسرع انتزاعاً للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشد استحضاراً لمتون الأحاديث، وعزوها إلى الصحيح أو إلى المسند أو إلى السنن منه، كأن الكتاب والسنن نصب عينيه، وعلى طرف لسانه، بعبارة رشيقة، وعين مفتوحة، وإفحام للمخالف ... وكان قوالاً بالحق، نهاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة وإقدام، وعدم مداراة الأغيار، ومن خالطه وعرفه قد ينسبني إلى التقصير في وصفه، ومن نابذه وخالفه ينسبني إلى التغالي فيه ... وأنا أقل من أن ينبه على قدره كلمي، أو أن يوضح نبأه قلمي ... ) (¬3) .
وكان ابن تيمية رحمه الله يواجه التيارات البدعية في عصره، ويناقش ما تحمله من مخالفات عقدية، حريصاً على تصحيح العقيدة في نفوس الناس، وتنقيتها مما شابها من كثير من الانحرافات، إذ يرى رحمه الله أن الراد على أهل البدع مجاهد (¬4) ، إلا أن من كان شيخ الإسلام يهدم بنيانهم من القواعد، لم يطب لهم صنيعه، فحاولوا بشتى الوسائل تشويه صورته عند كل أحد، وبكل الوسائل، فلم يكونوا يتورعون عن سبه وشتمه، ورموه بالجهل تارة، وبالزندقة أخرى، ونسبوه إلى البدعة، ولم يبق إلا ما هو أعظم منها، ألا وهو التكفير،
¬_________
(¬1) انظر: الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي ص109.
(¬2) الذهبي: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي الدمشقي، التركماني الأصل، ولد بدمشق، وطلب العلم بها، من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، له مؤلفات كثيرة ومشهورة في التاريخ والسير مثل: تاريخ الإسلام، سير أعلام النبلاء وغيرها، ت سنة 748هـ.
انظر في ترجمته: الدرر الكامنة لابن حجر 3/426، شذرات الذهب لابن العماد 6/153.
(¬3) ذيل تاريخ الإسلام (ضمن ثلاث تراجم مستلة منه للعجمي ص23 - 25) بتصرف.
(¬4) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 4/13.

الصفحة 8