كتاب تاريخ معالم المدينة المنورة قديما وحديثا

19…عليهم بسعة الأرزاق وطول الأعمار حتى كان يمضي عليهم أربعمائة سنة ولم يسمع بجنازة بينهم وصدق الله العظيم: (إنَّ الإنسانَ لَيَطْغَى أَن رءاهُ استَغْنَى).فبعث إليهم سيدنا موسى عليه السلام جنداً من بني إسرائيل فقتلوهم بالحجاز والمدينة المنورة ومكة المكرمة عن آخرهم (1).ثم سكن المدينة المنورة اليهود وكانوا قبائل شتى نحو خمس وعشرين قبيلة وكان سبب سكناهم المدينة المنورة أن ملك الروم حين ظهر على بني إسرائيل وملك الشام خطب ابنة أحد اليهود من نسل سيدنا هارون عليه السلام وكانت هذه الفتاة مشهورة بالجمال الخارق وبأصالة النسب وكان من الثابت في دين اليهود أنهم لا يزوجون النصارى مطلقاً فخافوا شره إن منعوه من الزواج وعزموا على تنفيذ شريعتهم من عدم الزواج لملك الروم النصراني كما عزموا على الفتك به أخذا للثأر منه لما حصل منه لبني قومهم فدبروا له فيما بينهم مكيدة محكمة ورتبوها ونظموها وحبكوا ثم كتبوا له بأن يشرفهم بنفسه ويحضر إليهم لإنجاز الزواج تنفيذاً لرغبته الكريمة وكان حب الفتاة اليهودية الجميلة قد استولى على قلبه ولبه، فعزم على الحضور إليهم بنفسه وحمل معه ما لذ وطاب من فواكه ومأكولات ومن نقود كثيرة وملبوسات فلما وصل إليهم قابلوه أحسن مقابلة وأنزلوه وحاشيته في أحسن قصر من قصورهم الجميلة ثم فتكوا به وبمن كان معه من حاشيية وخدم وأتباع في حفلة رسمية أقاموها له ليلة الزفاف المشئوم عليه فاستراحوا بهذه الصورة الدنيئة منه ومن شره وأخذوا كل ما كان معه فثأروا بهذه الصورة القبيحة لبني قومهم وقتلوا في شخصه عدداً كبيراً من أعدائهم (2).…
__________
(1) لقد أفاض الأخباريون عن أول من سكن المدينة وعمرها وشيد فيها حضارتها، والذي يظهر من الأقوال الخمسة التي ذكرهاالمؤلف أن رأيا قاطعاً لم يثبت في ذلك كما أن أكثر الروايات هي أقرب إلى الأساطير منها إلى الحقائق العلمية، وعلى أية حال فالمؤلف معذور في نقله هذه الأخبار ـ رغم مايعوزها من الدقة العلمية ـ وذلك لئلا تفقد حلقة في سلسلة بحثة بدون ذكر، ولكن خلاصة القول في ذلك أن سكنى المدينة قديم قدم العماليق، وأن اليهود وفدوا إليهم، وأن كل جماعة كانت تتركز في ناحية من نواحي المدينة وحينما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إليها كان سكانها من العرب من الأوس والخزرج ومن اليهود قبائل مختلفة، أما معرفة تفاصيل قبائل السكان ومصادر هجرتهم فلا يترتب عليهم كبير أمر. (2) ذكر الشيخ أحمد العباسي في عمدة الأخبار موجز هذه القصة واعتمدها إل أن كتب التاريخ تذكر أسباباً أخرى لهجرة اليهود إلى المدينة منها هروبهم من اضطهادات بخنتصر ومنها أنهم بقايا حجيج مروا بالمدينة =

الصفحة 19